الثلاثاء، 24 يونيو 2025

يعقوب أمام فرعون: نبي يشكو أم رجل يتذكّر؟

 


يعقوب أمام فرعون: نبي يشكو أم رجل يتذكّر؟


> "أيام سني غربتي مئة وثلاثون سنة. قليلة وردية كانت أيام سني حياتي، ولم تبلغ إلى أيام سني حياة آبائي في أيام غربتهم."

> *(تكوين 47: 9)*


هكذا تحدّث يعقوب، بطريرك بني إسرائيل، في لقائه الأول مع فرعون.

لكن بدلاً من أن يقدّم نفسه كشيخ حكيم، أو أب مكرّم، فاجأ الملك بكلمات حزينة، كئيبة، تعطي انطباعًا بأن حياته كانت قصيرة، مؤلمة، فاشلة.


وهنا تظهر **عدة مفارقات جوهرية** تستحق التوقف والتحليل.


---


## 🔹 أولاً: هل كانت حياة يعقوب فعلاً "قليلة وردية"؟


هذا الوصف لا يصمد أمام الحقائق التي تقدمها نفس الرواية:


* عاش يعقوب أكثر من 130 سنة، وسيعيش بعدها 17 عامًا أخرى.

* تزوّج أربع نساء، وأنجب 12 ولدًا وبنتًا.

* نال البركة، وتكاثرت غنمه بشكل معجز.

* صارع "الله" أو الملاك، وغلبه، ونال اسم "إسرائيل".

* جاء إلى مصر مكرّمًا، وعاش في "أفضل الأرض" معالًا من يوسف وفرعون.


إذن لماذا يشكو؟ لماذا لا يرى كل هذا المجد والنعمة؟ هل نسي كل شيء فجأة؟

أم أنه يُخفي شيئًا؟


---


## 🔹 ثانيًا: يعقوب لا يجيب عن السؤال... بل يروّج لرواية


سؤال فرعون كان بسيطًا ومباشرًا:


> **"كم هي أيام سني حياتك؟"** *(تكوين 47:8)*


كان يكفي أن يقول:


> *"أنا ابن مئة وثلاثين سنة."*


لكنه لم يفعل.

بدلاً من ذلك قدّم خطابًا دراميًا:


> *"قليلة وردية كانت أيام سني غربتي... ولم تبلغ أيام آبائي..."*


هذا الانزياح عن الجواب المباشر له دلالة كبيرة:


🔸 **يعقوب لا يريد الحديث عن الرقم... بل عن الرواية.**

يريد أن يظهر كشيخ متعب، غريب، حزين، كأنما يحمل وزن خطاياه ومآسيه.


وهذا ليس فقط تعبيرًا عن ألم، بل قد يكون **خطابًا محسوبًا** لكسب تعاطف فرعون، وتبرير وجوده في مصر، بل وتمهيدًا لتثبيت ذريته فيها.


---


## 🔹 ثالثًا: تناقض يعقوب... في قضية بنيامين


قبل لقائه بفرعون، رفض يعقوب مرارًا إرسال بنيامين إلى مصر، رغم أن:


* يوسف طلب رؤيته صراحة.

* شمعون كان محتجزًا.

* الأزمة لا تُحلّ إلا بنزول بنيامين.


وهنا يظهر التناقض الأخلاقي:

**يعقوب كان يمكنه أن ينزل بنفسه من البداية، بدلًا من أن يعرّض ابنه المفضّل للخطر.**


لكنه لم يفعل. ظل في مكانه، وجعل من بنيامين **رهينة لتردده وخوفه.**


→ **فهل يحق له إذًا أن يشكو أمام فرعون؟**


هو نفسه الذي:


* خدع أباه إسحاق.

* هرب من أخيه عيسو.

* خدع خاله لابان.

* وها هو الآن يستخدم حزنه وكِبر سنّه كأداة خطابية.


> 🔴 **الذي "صارع الله وغلبه" لم يجرؤ أن يواجه ألمه الأبوي بشجاعة.**

> فضّل أن يشتكي… على أن يتحرك.


---


## 🔹 رابعًا: هل تعمّد أن يظهر كهلاً محطمًا لكسب أكثر ما يمكن؟


من هذا المنظور، قد نفهم كلماته أمام فرعون كـ **خطة خطابية محسوبة:**


* أن يُظهر نفسه كغريب حزين.

* أن يتحدّث لا عن مجده، بل عن غربته وتعبه.

* وأن يطلب ضمنيًا من فرعون أن يكرمه في ختام حياته.


وبالفعل، جاءت النتيجة فورًا:


> **"فأسكن يوسف أباه وإخوته، وأعطاهم ملكًا في أفضل الأرض، في أرض رعمسيس، كما أمر فرعون. وعال يوسف أباه وإخوته."** *(تكوين 47:11–12)*


👈 إذًا، كلمات يعقوب كانت **أكثر من جواب… كانت أداة تأثير.**


---


## 🟨 الخلاصة:


يعقوب لم يكن فقط رجلًا طاعنًا في السن،

بل كان يُحسن استخدام الحكمة والتأثير والرمز.


سؤال فرعون البسيط عن عمره فتح بابًا ليعقوب ليُقدّم روايته للعالم:


> "أنا غريب، عابر، مثقل، لم تكن حياتي كما تظنون."


لكن الحقيقة التي يعرفها القارئ هي أن **يعقوب لم يكن فقط ضحية… بل كان صانعًا لتاريخه، بكل ما فيه من مكرٍ، ومجد، وتردّد.**





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم