زنى يهوذا وتمار: قصة كتبتها الضرورة وليس الواقع
يهوذا هو بن يعقوب عليه السلام
في إحدى أغرب قصص سفر التكوين (الإصحاح 38)، نجد أنفسنا أمام مشهد مُربك: امرأة تتنكر بغطاء الوجه، تجلس على الطريق، وتدخل في علاقة جنسية مع حماها، فتحمل منه، وتُصبح أمًا لطفلين يُصبح أحدهما – فارص – من سلالة داود ثم المسيح.
فهل هذه الخطيئة كانت جزءًا من خطة الله؟ أم أن النص يُبرر ما لا يُبرَّر؟
## تمار ويهوذا: موجز القصة
تمار كانت زوجة لابن يهوذا الأكبر "عِير"، ثم لابنه الثاني "أونان"، وفق نظام يُسمى "الزواج الإحلالي" (ليفيرات). مات الاثنان دون أن يُنجبا، فوعدها يهوذا بتزويجها من الابن الثالث "شِيلة" عند بلوغه، لكنه لم يفِ بوعده. شعرت تمار بالخذلان، فتنكرت كزانية وجلست على طريق يهوذا، فوقع في الفخ، ودفع لها رهنًا (خاتمه، سواره، عصاه)، ثم حبلت منه، وأنجبت توأمين: فارص وزارح.
## فبركة درامية لا واقعية
النص يصور المشهد كما لو أنه مكتوب مسبقًا ليخدم غاية رمزية:
* تمار في مكان مناسب تمامًا، في توقيت دقيق، وبخصوبة مثالية.
* يهوذا يمر وحده، دون شهود.
* تمار تنجح في أخذ الرهون، وتحمل من أول مرة.
* وحين يكتشف الحمل، تكون الأدلة جاهزة.
> هذه ليست أحداثًا طبيعية، بل كتابة مدبرة تحمل رمزية واضحة لخدمة غاية نسبية.
## تغطية الوجه: خدعة مكشوفة
فكرة أن يهوذا لم يعرفها لأن وجهها مغطى، رغم أنه:
* تحدث معها.
* فاوضها.
* سلّمها ممتلكاته.
* عاشرها جسديًا.
> غير منطقية، وتثير الشك في أن النص يُبرر الجهل عمدًا ليحفظ ماء وجه يهوذا.
كيف لرجل أن يُسلم كل ما يملكه لامرأة لا يعرفها؟ ثم لا يميّز صوتها، ولا حتى تثير فيه فضول رؤية وجهها؟
## الاحتمالات المسكوت عنها
### - هل كانت تمار هي الفاعلة فعلًا؟
ربما لم تكن هي من عاشرها يهوذا، بل امرأة أخرى تشاركت معها الخطة.
أو ربما حصلت تمار على الرهون، ثم حملت من رجل آخر.
### - هل تم الحمل بدون جماع مباشر؟
هل حملت من مني يهوذا بطريقة غير مباشرة؟ لا شيء يمنع منطقيًا، وإن كان النص لا يشير لذلك.
### - هل كان اعتراف يهوذا صادقًا؟
يهوذا اعترف فقط عندما رآها تحمل الرهون، لا لأنه تذكّر شيئًا يقينيًا.
فربما كان يقين النسب مفقودًا، لكنه فضّل السكوت.
### - لماذا لم يفعل كما فعل ابنه؟
إذا كان أونان قد قذف على الأرض حتى لا يُعطي نسلًا لأخيه، فكيف بيهوذا الذي يزني — ألا يخشى الإنجاب من مجهولة؟
## نقد لاهوتي: الله لا يعمل بالخطيئة
أن يولد من هذا الاتحاد نسل يُستخدم لاحقًا في النسب المقدس لا يعني أن الفعل كان طاهرًا.
الله قادر أن يُخرج الخير من الشر، لكنه لا يُجيز الشر كي يصنع الخير.
فكما قيل عن يوسف:
**"أنتم قصدتم بي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا"** (تكوين 50:20)
فالقصد الإلهي لا يُبرر الوسيلة الخاطئة.
## مفارقة الحكم بالحرق: عدالة منتقاة
عندما أُخبِر يهوذا أن تمار حبلى، لم يسأل عن السبب، بل قال بحدة:
> «أخرجوها فلتُحرَق!»
وهنا تتجلّى صورة قاتمة من النفاق:
* يهوذا يُدين الزنا، لكنه مارسه.
* يهوذا يطلب الحرق، دون دليل أو محاكمة.
* وحين تبيّن أنها كانت معه، لا يُحاسب نفسه، بل يكتفي باعتراف بارد: «هي أبرّ مني».
تمار لم تنطق باتهام، بل أرسلت رهونه كدليل. امرأة تُعاقب بلا تحقيق، ثم تُكرَّم بلا تفسير، فقط لأن الرجل اعترف.
## خاتمة
قصة تمار ليست قصة طُهرٍ ولا طاعة، بل قصة خذلان وظلم ثم مكيدة جنسية. والقول بأنها كانت جزءًا من خطة الله، هو تشويه لله نفسه.
تمار لم تُعاقب لأنها استطاعت كشف النفاق، لا لأنها بريئة. ويهوذا لم يُعاقب لأنه كان رجلًا.
لذلك، تبقى قصة تمار ويهوذا **عبرة** في انحدار الأخلاق حينما يتخلى الناس عن العدل، وليست نموذجًا يُحتذى أو يُشرّع.
خاتمة: لماذا صمتت تمار؟
كان بإمكانها أن تدافع عن نفسها مبكرًا، لكنها:
لم تتحدث.
لم تُصرّح.
انتظرت حتى تُتّهم بالزنا.
ثم أرسلت الأدلة الصامتة.
وهذا الصمت له دلالات عميقة:
ربما خافت أن يُنكر.
أو أرادت أن تُحرجه علنًا.
أو أنها أدركت أن المجتمع لا يسمع صوت امرأة بل يُصدق الرجل.
كان صمتها أبلغ من ألف حجة، وأدلتها أقوى من أي محكمة.
قصة تمار ليست قصة طُهرٍ ولا طاعة، بل قصة خذلان وظلم ثم مكيدة جنسية. والقول بأنها كانت جزءًا من خطة الله، هو تشويه لله نفسه.
تمار لم تُعاقب لأنها استطاعت كشف النفاق، لا لأنها بريئة. ويهوذا لم يُعاقب لأنه كان رجلًا.
لذلك، تبقى قصة تمار ويهوذا عبرة في انحدار الأخلاق حينما يتخلى الناس عن العدل، وليست نموذجًا يُحتذى أو يُشرّع.
✍️ مدونة محمد عيسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم