اليد التي خرجت ثم عادت: ولادة زارح وفارص بين الأسطورة والرمز
في سفر التكوين (الإصحاح 38: عدد 27–30)، تأتي واحدة من أغرب مشاهد الولادة في الكتاب المقدس:
> "وكان في ولادتها أن أحدهما أخرج يده، فأخذت القابلة وربطت على يده قرمزًا، قائلة: هذا خرج أولًا. ولكن حين رد يده، إذا أخوه قد خرج، فقالت: ما أقدرك على الخرق! فدُعي اسمه فارص. وبعد ذلك خرج أخوه، الذي على يده القرمز، فدُعي اسمه زارح."
هذا المشهد لا يمكن وصفه إلا بالأسطوري، بل أقرب إلى المشاهد الرمزية في الملاحم القديمة، لأنه ببساطة **يتعارض مع علم الولادة والتشريح**.
## ❌ من منظور طبي: استحالة بيولوجية
* لا يمكن لجنين أن يُخرج يده من عنق الرحم ثم يعيدها، لأن ذلك يستلزم تمددًا كاملًا للرحم وولادة جزئية فعلية.
* الجنين لا يملك تحكمًا إراديًا بمثل هذا التعقيد.
* ولادة التوائم عادةً ما تتم بتعاقب طبيعي، دون هذه المبالغة الدرامية.
> إذًا، نحن أمام سرد رمزي، لا وصفًا لحدث طبي واقعي.
## 🧩 ما الهدف من هذا المشهد؟
### 1. تبرير الأفضلية لفارص
رغم أن زارح "بدأ" بالخروج، إلا أن فارص خرج فعليًا أولًا. فكيف يُمنح فارص شرف البكورية؟
> النص يحلّ الإشكال بهذه القصة الرمزية: من "اقتحم" الخروج، هو المختار.
### 2. فارص رمز الاقتحام الإلهي
* اسم فارص يعني بالعبرية: **الذي يخرق، أو يقتحم**.
* ومن نسله يأتي داود، ثم يسوع بحسب النسب الإنجيلي.
> أي أن الاختيار الإلهي لا يتبع ترتيب الولادة، بل قدرة "الخرق"، أي: المفاجأة الإلهية!
## 🎭 دراما مرتبة لا حدث عفوي
إذا نظرنا بعين فنية، سنجد أن النص بُني كـ"مشهد مسرحي":
* يدٌ تخرج.
* امرأة تربط خيطًا.
* يد تعود.
* طفل آخر يظهر.
* تعجب وتعليق.
* ثم يُولد من كان في الظاهر الأول.
كل ذلك يصنع لحظة **تشويق رمزي** تُرسّخ في ذهن القارئ أن فارص هو المقتحم، المختار، القوي، رغم أنه لم يكن الأول ظاهرًا.
## ✍️ خلاصة
اليد التي خرجت ثم عادت، ليست مشهدًا طبيًا، بل رمزيًا. والنص أراد أن يرسل رسالة واضحة:
> "الاختيار الإلهي الذي يعد أحد ألاصنام التي يريد صناعتها كاتب التوراه لا يتبع أعراف الناس، بل يأتي لمن يقتحم المشهد، حتى إن تأخر."
قصة زارح وفارص بهذا الشكل الأسطوري، تُظهر كيف أن النصوص التوراتية كثيرًا ما تلجأ إلى المشاهد غير الطبيعية لتبرير اصطفاءٍ لاحق، وتمنح المشروعية الرمزية لسلالة داود، حتى لو جاء من نسل زنا، أو من ولادة مستحيلة.
---
✍️ مدونة محمد عيسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم