الخميس، 12 يونيو 2025

سكوت يعقوب: جريمة بلا عقوبة

 


سكوت يعقوب: جريمة بلا عقوبة

في نهاية الإصحاح الخامس والثلاثين من سفر التكوين، وبينما يعقوب ـ الذي بات يُدعى "إسرائيل" ـ مستقر في الأرض، تقع حادثة لا تقل في وقعها عن مذبحة شكيم:

"وحدث إذ كان إسرائيل ساكنًا في تلك الأرض، أن رأوبين ذهب واضطجع مع بلهة سرية أبيه. وسمع إسرائيل."

جملة مقتضبة، مباشرة، بلا انفعال.
رأوبين، البكر، يرتكب فعلًا مشينًا مع سرية أبيه، وأمّ أخويه من الأب.
بلهة ليست مجرد جارية، بل كانت سرية راحيل، الزوجة المحبوبة، والحدث يقع ـ كما يبدو من السياق ـ بعد وفاة راحيل مباشرة، وكأن رأوبين يستغل الحزن والانهيار النفسي لدى أبيه ليمارس فعلًا رمزيًا لإهانته أو للتمرد على سلطته.

والأغرب من الجريمة... هو الصمت.
لا نقرأ أي رد فعل من يعقوب، لا غضب، لا طرد، لا عقوبة.
بل ينتقل السرد مباشرة لتعداد أبناء يعقوب، وكأن الحادثة لا علاقة لها بالسياق، أو كأن القارئ مطالب بتجاهلها.

فهل سكت يعقوب؟
أم أن الكاتب هو من اختار الصمت، ودفن العار في جملة واحدة؟
ربما كانت القصة معروفة في التقاليد الشفهية، وأُدرجت هنا كتمهيد لتبرير إسقاط رأوبين من البكورية في وصية يعقوب لاحقًا:

"رأوبين، أنت بكري... غير أنك لا تكون الأوَّل، لأنك صعدت على مضجع أبيك فدنسته." (تكوين 49:3-4)

وهكذا، يصبح السكوت نفسه طريقة للحُكم، ويصبح ذكر الخطيئة أهم من معاقبتها، لأنها تحمل وظيفة رمزية: تبرير استبعاد رأوبين، وتثبيت انتقال البركة إلى غيره.

ففي بيت يعقوب تمر الجرائم بالصمت دون حساب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم