الخميس، 12 يونيو 2025

نساء عيسو الثلاث: تعدد الأسماء واختلاط الأنساب في التكوين

تضارب أسماء زوجات عيسو بين الإصحاحات المختلفة (تكوين 26، 28، 36).

---


### ❖ النصوص:


1. **تكوين 26:34–35**


> "ولما كان عيسو ابن أربعين سنة اتخذ زوجة: **يهوديت بنت بيري الحثي**، و**بسمة بنت إيلون الحثي**. فكانتا مرارة نفس لإسحاق ورفقة."


2. **تكوين 28:9**


> "فذهب عيسو إلى إسماعيل وأخذ **محلة بنت إسماعيل** بن إبراهيم، أخت نبايوت، زوجة له على نسائه."


3. **تكوين 36:2–3**


> "أخذ عيسو نساءه من بنات كنعان:

>

> * **عدا بنت إيلون الحثي**،

> * و**أهوليبامة بنت عنا بنت صبعون الحوي**،

> * و**بسمة بنت إسماعيل أخت نبايوت**."


---


### ❖ التحليل النقدي:


#### 1. **تضارب الأسماء والأنساب**:


نلاحظ تغيّرًا واضحًا:


* **بسمة** في تكوين 26 هي **بنت إيلون الحثي**،

  أما في تكوين 36 فهي **بنت إسماعيل**!

* **محلة** بنت إسماعيل في تكوين 28، تختفي في تكوين 36 ويحل اسم **بسمة** مكانها.

* **يهوديت** في تكوين 26 تختفي تمامًا لاحقًا، وتظهر **عدا** بدلاً منها في تكوين 36.

* وتُضاف شخصية جديدة: **أهوليبامة**، لم يُذكر زواجها سابقًا.


#### 2. **محاولات التوفيق (من المفسرين التقليديين)**:


بعض الشراح اليهود والمسيحيين حاولوا التوفيق بقولهم:


* أن الأسماء **متعددة** للشخص الواحد (اسم مدني واسم قبلي مثلًا).

* أو أن عيسو **غيّر أسماء زوجاته** لاحقًا لإرضاء والديه أو لطمس أصل كنعاني.


لكن هذه التبريرات غير مقنعة بالكامل، خاصة أن الاختلاف لا يشمل فقط الأسماء، بل أيضًا **الأنساب** و**الأصول العرقية**، وهو أمر لا يمكن تجاهله.


#### 3. **الهدف اللاهوتي والتحريري**:


يبدو أن الكاتب التوراتي (أو المحرر الأخير) في الإصحاح 36 كان يريد أن:


* **يربط نسل عيسو مباشرة بإسماعيل** (أي بالأمم العربية لاحقًا).

* **يعيد تشكيل هوية نساء عيسو** ليتناسب نسبهم مع الرسائل اللاهوتية.

* ربما لمحاولة **تبييض صورة عيسو** بعد أن ذُكر سابقًا أنه سبب حزن والديه بزواجه من الحثيات.

  فالإصحاح 36 يقدمه كزعيم لأدوم وله نسل واضح ومنظم.


#### 4. **المغزى السردي**:


من زاوية نقدية، هذا التضارب يشير إلى أن الروايات نُقلت من **مصادر مختلفة**:


* رواية تعكس غضب رفقة من زواج ابنها بكنعانيات (تكوين 26).

* رواية تدمج عيسو بنسل إسماعيل لتأكيد أن **البركة انتقلت ليعقوب فقط**، رغم أن عيسو يُمنح دورًا جغرافيًا وزعامة في سعير.


---



**في سرد زواجات عيسو، تتغير الأسماء وتتشابك الأنساب كأن المحرر يكتب ما يخدم الرواية اللاهوتية لا التاريخ.**

فمرة تكون "بسمة" ابنة حثي، ومرة ابنة إسماعيل. وتختفي "يهوديت" تمامًا ليحل محلها "عدا". ويتبدل اسم "محلة" إلى "بسمة" وكأن النساء تُشكَّل أسماؤهن حسب وجهة نظر الكاتب، لا واقعهن.


قد يكون الغرض تبريريًا: ليبدو نسل عيسو أكرم مما وصف سابقًا، أو لربط أدوم بإسماعيل في مقابل ربط يعقوب بإسرائيل.

لكن النتيجة تفضح شيئًا آخر: **أن النص ليس موحدًا، وأن الحقيقة التاريخية قد غابت تحت طيات السرد اللاهوتي.**

ولكن هل الغرض التبريري كان ثمنه قليل ؟!

ام كانت الخسارة أكبر؟

سؤالك حاد وعميق جدًا، ويصل إلى جوهر ما يمكن أن نسميه **"ثمن الكتابة التوراتية المحرَّفة لأغراض لاهوتية أو سياسية"**. والإجابة النقدية عليه هي:


---


### ❖ لا، لم يكن الثمن قليلًا… بل كانت الخسارة أكبر وأعمق.


لأن الغرض التبريري — سواء كان تلميعًا لصورة شخصية أو طمسًا لماضٍ غير مرغوب فيه — **أفسد أكثر مما أصلح**، على عدة مستويات:


---


### 1. **فقدان الثقة بسردية النص**


عندما تتغير أسماء النساء، وتختلط أنساب الأبناء، ويختفي أشخاص فجأة (مثل رفقة أو إسحاق أو حتى يهوديت زوجة عيسو)، يبدأ القارئ الناقد أو الباحث في التساؤل:


* أي الروايات أصدق؟

* هل الكاتب يكتب تاريخًا أم يبني رواية تبريرية؟


وبهذا يصبح النص في عين القارئ **غير موثوق**، وتتحول القصص من حقائق مزعومة إلى **خرافة تخضع لتعديل النوايا**.


---


### 2. **تشويه صورة المرأة ودورها**


عندما تُبدَّل أسماء النساء بهذا الشكل، وكأنهن أدوات تُستبدل لتخدم غرضًا سياسيًا أو لاهوتيًا، فإنهن **يفقدن فرديتهن ودلالتهن الرمزية**.


* هل بسمة هي بسمة، أم محلة؟

* لماذا تُختزل المرأة في وظيفتها النَسَبية فقط (بنت فلان، أخت فلان)، دون أن نعرف عنها أي شيء؟


هذا يُظهر أن التوراة، في هذا الموضع على الأقل، **تعاملت مع النساء كأدوات سرد لا شخصيات حية**.


---


### 3. **خسارة العمق الأخلاقي**


محاولة تبييض صورة عيسو عبر تغيير نسب زوجاته من الحثيين (المكروهين دينيًا) إلى الإسماعيليين (ذوي الشرعية النسبية)، **يفرغ القصة من بعدها الأخلاقي الحقيقي**:


* أين مسؤولية الأبناء عن اختياراتهم؟

* لماذا تُعاد كتابة الأحداث لتناسب رغبة لاهوتية؟


وبهذا **تُختزل الأخلاق في مراوغة سردية** بدلًا من أن تكون تجربة بشرية حقيقية، كما نراها في مواقف التوراة الأخرى الأكثر صدقًا (كقصة يوسف مثلاً).


---


### 4. **تشويه صورة عيسو بدل إنصافه**


المفارقة أن محاولة تجميل عيسو من حيث النسب، **جاءت على حساب وضوح شخصيته**.


* في النصوص الأولى، يظهر عيسو عفويًا، محبًا، حتى عند لقاء يعقوب.

* أما في تكوين 36، فيبدو مجرد زعيم قبيلة بشجرة نسب مصقولة تبريريًا.


**هكذا نُزعت إنسانيته الحقيقية، وطُمست ملامحه، ليصبح جزءًا من وظيفة لا وظيفة لها إلا تأكيد أن "يعقوب هو المختار".**


---



**ثمن التبرير في التوراة لم يكن قليلًا**. لقد دُفعت كلفته من مصداقية النص، ومن صورة المرأة، ومن عمق الشخصية، ومن الأخلاق نفسها.

في محاولة ترميم صورة عيسو، تمزق السرد؛ وفي محاولة نزع التهمة عن يعقوب، طُمست ملامح الآخرين.

والنتيجة: **نص خائف من الحقيقة، يفضل إعادة ترتيب الوجوه بدل مواجهة المرايا.**




---



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم