الإخوة الذين لم يعودوا لشمعون: سقوط أخلاقي في بيت يعقوب
عنوان التدوينة: "الإخوة الذين لم يعودوا لشمعون: سقوط أخلاقي في بيت يعقوب"
بينما تُروى قصة يوسف في سفر التكوين كملحمة تتدرج من المحنة إلى المجد، فإن السرد يكشف عن مشهد آخر لا يقل أهمية: **انهيار أخلاقي مدوٍ في بيت يعقوب**. ورغم ما تطرحه بعض التفسيرات من تأويلات رمزية، فإن القراءة المباشرة للنصوص تطرح أسئلة أكثر واقعية وجرأة.
## أبناء يعقوب... لا ورع ولا ندم
ليس من السهل القبول بأن إخوة يوسف كانوا يمرون بصراع نفسي داخلي عميق. فالسجل التوراتي يحمّلهم أفعالاً يصعب التوفيق بينها وبين صورة "أبناء نبي":
* **رأوبين** زنا بسرية أبيه (بلهة) وهي أم بعض إخوته.
* **شمعون ولاوي** قادا مذبحة كاملة ضد أهل شكيم.
* **يهوذا** زنا بكنته ثامار وظنها زانية.
* **الجميع** (عدا بنيامين) تآمروا على يوسف وألقوه في بئر، ثم باعوه، وكذبوا على أبيهم لعقود.
فكيف يمكن الوثوق بندم مفاجئ يظهر لاحقًا في مصر؟
## الفضة التي ارتعدوا منها... خوف على النفس لا على الأخ
عندما اكتشف أحد الإخوة الفضة في كيسه ارتعد قلبه، وتبعه الباقون لاحقًا عند تفريغ الأكياس. وتُقدَّم هذه اللحظة في بعض التفاسير كرمز لصراع داخلي. لكن الواقع يقول:
* لم يتحرك أحد **لإنقاذ شمعون** بعد اختفائه.
* لم يظهر فيهم **شهامة أو فداء**، رغم علمهم أن أخاهم محتجز.
* لم يعودوا إلى مصر إلا **بعد أن نفد القمح**.
فالخوف كان على أنفسهم، لا على أخيهم.
## أين كان راوبين؟ ولماذا لم يلاحق القافلة؟
النص يقول إن رأوبين كان قد غاب لحظة بيع يوسف، وحين عاد إلى البئر ولم يجده، مزق ثيابه. لكننا لا نجد له **أي مبادرة لاحقة للحاق بالقافلة أو مطاردة الأثر**:
* لم يُسجل له أي محاولة لاستعادة يوسف.
* بل عاد معهم وساهم في تمرير كذبة الذئب.
فلو كان مخلصًا كما زعم، لكان قد تبع القافلة، أو حاول تتبع الأثر، أو أخبر يعقوب بما حدث!
## أخلاق تنهار تحت راية الوراثة
هذه العائلة التوراتية، رغم أنها تحمل اسم "بني إسرائيل"، إلا أن القصة تُظهر أنها أقرب إلى **عصبة من الغادرين** منها إلى ورثة النبوة:
* تلاعب بالحقائق.
* غدر بالأخ.
* استباحة القتل.
* كذب على الأب.
كل هذا لا يُمكن تسويغه برمز أو مجاز، بل يكشف عن **هشاشة القيم في قلب بيت يعقوب**.
هل خان يوسف الأمانة؟
أمر يوسف برد فضة إخوته إلى أكياسهم، فحصلوا على القمح دون مقابل فعلي. وهو ما يُعتبر مخالفة صريحة للأمانة المالية والإدارية، خصوصًا في زمن المجاعة.
غالبًا ما تُبرر هذه الخطوة بالقول إن يوسف لم يُرد مالًا من إخوته لأنهم باعوه عبدًا، وأن المال لا يُعوض خيانتهم. لكن هذا التفسير لا يصمد أمام المنطق:
يوسف كان يوزع القمح نيابة عن الدولة، لا عن نفسه.
ما حدث له لا يُبرر أن يخالف قواعد البيع ويزرع فيهم الخوف والارتباك.
لو أراد الغفران، لقالها علنًا: "خذوا مجانًا"، لا أن يزرع الفضة سرًا.
ثم إن القول بأنه فعل ذلك لأنهم باعوه، يُناقض الواقع؛ فلو لم يبيعوه، لربما جاء معهم يشتري قمحًا، لا ليبيعه!
رُدَّت فضة إخوة يوسف دون علمهم، لا غفرانًا ولا مكافأة، بل كمصيدة اختبار نفسي. أما القول إن يوسف فعل ذلك لأنه “لا يريد مقابلًا عما فعلوه به”، فهو خلط بين ثمن العدالة وثمن القمح. فلو لم يُبع يوسف عبدًا، لكان معهم على أبواب مصر يشتري دقيقًا... لا يوزعه!
## ختام
قصة يوسف ليست فقط قصة رجل صعد من الجُب إلى العرش، بل هي أيضًا قصة عائلة تمزقت فيها الأخوة، وتكسرت فيها القيم، ولم يعد فيها شمعون كافيًا لتحريك القلوب، ولا يوسف كافيًا لإشعال ضمير أحد... حتى نفد القمح.
---
✍️ مدونة محمد عيسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم