الأربعاء، 25 يونيو 2025

يعقوب وأرض الموعد: نبيٌّ يوصي أم رجلٌ يتذكّر؟

 



## يعقوب وأرض الموعد: نبيٌّ يوصي أم رجلٌ يتذكّر؟


> **«ولكن الله سيكون معكم ويردكم إلى أرض آبائكم» – يعقوب (تكوين 48:21)**


بهذه العبارة اختتم يعقوب حياته، مُعلِنًا وعدًا إلهيًا متجددًا بعودة نسله إلى الأرض التي وُعِد بها الآباء. لكنّ القارئ الفاحص لا يستطيع تجاهل التناقض العميق بين **هذا الوعد المنطوق** وبين **السلوك العملي لنسل يعقوب بعد انتهاء المجاعة**.


### لماذا لم يعد يعقوب ونسله إلى أرض الموعد بعد انتهاء المجاعة؟


بحسب حلم فرعون (تكوين 41)، تستمر المجاعة سبع سنوات. وقد دخل يعقوب إلى مصر في بدايتها، ومعه بنو إسرائيل، وتلقوا ضمانة حماية من يوسف وفرعون. لكن بعد مرور السنوات السبع، وانقضاء الأزمة، لا تظهر في السرد التوراتي **أي محاولة للعودة** إلى كنعان.

**لماذا؟**


هنا تبدأ خيوط المفارقة بالانكشاف:


---


### 1. الأرض المباركة… تُنسى بعد الشبع!


يعقوب لم يوصِ ذريته بالعودة فور انتهاء المجاعة، بل اختار البقاء، والدفن فقط في كنعان – كرمز لا أكثر. بينما يوسف، الحاكم القوي، **لم يُبْدِ أي حنين إلى الأرض التي دُفن فيها أجداده**، بل أوصى بنقل عظامه فقط بعد الخروج الذي سيحدث بعد قرون!


هل كانت **أرض الموعد مجرد ذكرى طقسية؟** أم أن **الواقع السياسي والاقتصادي في مصر كان أقوى من أي التزام عقدي أو إيماني؟**


---


### 2. مقارنة مُفجعة: إسحاق مُنع من دخول مصر… ويعقوب سكن فيها!


في تكوين 26، نقرأ عن إسحاق حين واجه المجاعة:


> «وظهر له الرب وقال: لا تنزل إلى مصر. اسكن في الأرض التي أقول لك. تغرب في هذه الأرض فأكون معك وأباركك» (تك 26:2-3)


هنا **رفضٌ إلهي صريح لنزول إسحاق إلى مصر**. الغربة مسموحة فقط في كنعان، لا في أرض مصر الوثنية.


لكننا في حالة يعقوب، لا نرى أي ظهور إلهي يمنعه. بل نجد وعدًا في بئر سبع يؤكّد ليعقوب:


> «أنا أنزل معك إلى مصر» (تك 46:4)


فهل تغيّر الموقف الإلهي؟ أم أن **الكاتب التوراتي لاحقًا أراد تبرير الاستقرار في مصر بغطاء لاهوتي؟**


---


### 3. يعقوب: بين الكلمات النبوية والواقع البشري


رغم أن يعقوب يكرّر الوعد الإلهي لأبنائه، إلا أن سلوكياته كلها تُظهر العكس:


* لم يَسعَ للعودة.

* لم يُخطّط لها.

* لم يُظهر شوقًا حقيقيًا.

* لم يُربِّ أبناءه على انتظار العودة.


فهل كان نبيًا يُبلغ وعدًا حقيقيًا؟ أم شيخًا عجوزًا يستعيد ذكرياته دون رغبة فعلية في تحقيقها؟


بل إن حياته منذ بدايتها تقوم على المراوغة والخداع، لا الثبات والانتماء:


* خدع أباه إسحاق.

* فرّ من أخيه عيسو.

* خدع خاله لابان.

* وأخيرًا، خدع أبنائه وأُخفي عنه يوسف، ثم سكت عن حبس شمعون، ثم قبل بترك بنيامين فدية دون مقاومة.


فكيف يمكن لقارئ عاقل أن يُسلّمه ناصية "التمسك بالوعد"؟


---


### 4. مصر: أرض بديلة أم أرض خيانة؟


نعم، مصر قدّمت ليعقوب ونسله كل ما لم يجدوه في كنعان:


* حماية.

* رزقًا.

* تكاثرًا.

* مكانة سياسية عبر يوسف.


لكنّ هذا الاستقرار جاء **على حساب الرواية الأصلية للوعد**. فبنو إسرائيل لم يعودوا تلقائيًا بعد المجاعة، بل صاروا أمة هناك، وتحوّلت مصر من ملجأ مؤقت إلى **مهدٍ بديلٍ للهوية**.


وهنا يكمن التناقض الأخطر:


> كيف نُبرر أن شعبًا وُعِد بأرض، يُفضّل أرضًا أخرى بعد أن زالت أسباب الغربة؟

> هل الخروج في زمن موسى جاء لاستعادة وعدٍ تمّ نسيانه عمدًا؟


---


### خلاصة:


يعقوب، بحسب النص التوراتي، **لم يكن نبيًّا يقود أمّة نحو الوعد**، بل رجلًا شاخ في المنفى، واكتفى بالوصايا الرمزية والدفن في أرض الآباء.


فبين إسحاق الذي مُنع من دخول مصر، ويعقوب الذي استقر فيها،

وبين أرضٍ قيل إنها موعودة، وأرضٍ اختيرت لأنها مريحة…

تتشكّل **صورة نبيّ لا يحقق الميعاد، بل يرويه كذكرى دون رجاء.**



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم