يوسف التوراتي وادعاء الورع: حين يتقن القط لعبة الفأر
في سردية قصة يوسف كما وردت في سفر التكوين، يظهر التوتر بين ظاهر التقوى وباطن الخداع في أكثر من موضع، لكن أبرزها حين قال يوسف لإخوته وهو يمارس عليهم اختبارًا قاسيًا:
> "افعلوا هذا واحيوا. أنا خائف الله" (تكوين 42:18)
وهنا يتساءل القارئ: **أي خوف من الله ذاك الذي يسمح بالخداع والتمثيل والسجن بلا تهمة حقيقية؟**
يوسف يعرف أن إخوته ليسوا جواسيس، ويعرف أنهم يعيشون تحت ضغط المجاعة والندم، ومع ذلك يقرر اختبارهم بسيناريو طويل، مليء بالحبس والمكر و"اختبارات الولاء"، بينما يزعم في نفس الوقت أنه "خائف الله".
### يوسف وادعاء علم الأسرار
لم يتوقف يوسف عند استخدام اسم الله في موضع التقوى الظاهري، بل ادّعى لاحقًا ما يشبه **علم الأسرار أو الروحانيات الخفية**. فعندما وجد كأسه (الذي وضعه عمدًا) في عدل بنيامين، قال لهم:
> "ألم تعلموا أن رجلاً مثلي يتفأل؟" (تكوين 44:15)
وهو هنا يدّعي امتلاك نوع من المعرفة الماورائية، وكأن الكأس يكشف له الأسرار. هذا الخطاب الغامض يزيد من إحساس الإخوة بالهلع، ويؤسس لفكرة أن يوسف ليس فقط حاكمًا، بل **كائن غامض يخفي أكثر مما يظهر**.
### مسرحية الترجمان
ومن صور الخداع المتقنة أيضًا، استخدام يوسف "الترجمان" كي يُوهم إخوته بأنه لا يفهم لغتهم:
> "وهم لم يعلموا أن يوسف فاهم؛ لأن الترجمان كان بينهم" (تكوين 42:23)
لكن يوسف نشأ معهم وتحدث لغتهم، وكان عمره 17 عامًا عند بيعه. فلا معنى لوجود مترجم إلا لإيهامهم أنه مصري لا يعرف العبرانية، بينما هو **يراقبهم ويتجسس على كلماتهم** وهم يظنون الأمان.
### يوسف: القط الذي يلعب مع الفأر
إن الصورة التي ترسمها هذه التصرفات، تجعل يوسف يبدو وكأنه **قط ذكي يلعب بفأر خائف**. كل خطوة يخططها مسبقًا، ويستمتع بالمفاجآت التي يصنعها لهم، يخبئ مشاعره، يتوارى للبكاء، ثم يعود ليُكمِل اللعبة بوجه صارم.
لكن السؤال العميق الذي يطرحه القارئ هو:
> **إذا كنت تملك هذه السلطة، وتعرف الحقيقة، وتشتاق لأخيك وأبيك، فلماذا تلجأ للخداع والمراوغة؟**
بل لِمَ لم تضحك بدل أن تبكي؟ فالضحك هنا أقرب للمشهد، لأنه يُتم لعبة التفوق ببرود. أما البكاء، فإما أنه تأنيب ضمير، أو تناقض لا يليق بمن يدّعي السيطرة.
### الخاتمة:
في قصة يوسف، يظهر الدين على اللسان بينما التخطيط الخفي يدير المشهد. عبارة "أنا خائف الله" تُقال في وسط خداع متقن، وكأس العرّاف يُستخدم لإرهاب النفس التائبة، والترجمان يصبح قناعًا شفافًا أمام المتفرج.
فهل نحن أمام نبي يتصرف بحكمة إلهية، أم أمام أمير يستمتع بمسرحية نفسية طويلة؟
أم أن النص يتركنا عمدًا وسط هذه التناقضات، كي نفهم أن **الورع الظاهري قد يكون أحيانًا أداة ضغط، لا علامة طُهر؟**
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم