يهوذا بين "حيرة" و"بنت شوع": لحظة السقوط التي مهدت لصعود ثامار
في تحول درامي مفاجئ داخل سفر التكوين، يفصل النص التوراتي أحد أبناء يعقوب عن إخوته، لا ليُقتل كما حدث مع يوسف، بل ليسقط في نوع آخر من الغياب: الغياب الأخلاقي والروحي والاجتماعي.
"وحدث في ذلك الزمان أن يهوذا نزل من عند إخوته، ومال إلى رجل عدلامي اسمه حيرة" (تكوين 38:1)
انقطاع رمزي: "نزل من عند إخوته"
الخروج من جماعة يعقوب لم يكن مجرد رحلة جغرافية، بل رمزًا للخروج من هوية العائلة الإبراهيمية، والانغماس في بيئة كنعانية غريبة، وهو ما ستكشفه الآيات التالية مباشرة.
حيرة العدلامي: رفيق السقوط
الفعل "مال إلى" يشير إلى تحالف أو ميل نفسي وثقافي. وحيرة، الرجل الكنعاني، ليس فقط صديقًا، بل يصبح لاحقًا شاهدًا على انحدار يهوذا عندما يرسل له الجداء كثمن لامرأة ظنها زانية، ولم يجدها.
بالتالي، حيرة هو مرآة الانحدار، لا يمنعه ولا يُنبهه، بل يواكبه في صمته، ومن خلاله تبدأ أولى خطوات الابتعاد عن جذور يعقوب.
بنت شوع الكنعانية: زواج أم استيلاء؟
"ونظر يهوذا هناك ابنة رجل كنعاني اسمه شوع، فأخذها ودخل عليها" (تكوين 38:2)
لا يذكر النص زواجًا رسميًا أو إذنًا أو مهرًا. لم تُعطَ المرأة اسمًا، ولم تُنقل رغبتها أو رفضها. فقط أنها ابنة لرجل كنعاني، وأن يهوذا "أخذها ودخل عليها".
هذا الغموض السردي يجعلنا نتساءل: هل كانت علاقة حب؟ أم علاقة استيلاء؟ الفعل المستخدم في العبرية قد يعني الزواج، لكنه يستخدم أيضًا في سياق أخذ الشيء دون حق.
النتيجة: موت الأبناء وسقوط السلالة
أنجبت بنت شوع ليهوذا ثلاثة أبناء. يموت الأول "عير" لأن الرب أماته، ويموت الثاني "أونان" لأنه رفض إنجاب نسل لأخيه. بينما يُحرم الثالث "شيلة" من الزواج بثامار. وكأن النص يعاقب العلاقة من جذورها.
ثامار: المرأة التي صححت المسار
في وسط هذا الانحدار تظهر ثامار، المرأة التي انتزعت حقها بقوة وبدهاء. تنكرت كزانية، وجعلت يهوذا يُنجب منها توأمين، أحدهما فارص الذي سيصبح من أجداد الملك داوود.
عندما واجهت يهوذا، قال: "هي أبرّ مني، لأنها لم تُعطَ لابني شيلة" (تكوين 38:26).
ثامار أعادت الشرعية، وأعادت الاعتراف، وكسرت دائرة الموت، وكانت بوابة النسب الملكي.
خاتمة رمزية
- حيرة: التيه والشرود عن البيت والأصل.
- بنت شوع: العلاقة الغامضة التي لم تُثمر إلا الموت.
- ثامار: المرأة التي كسرت الصمت، وأعادت الحق، وصنعت التاريخ.
ليهوذا نسب ملكي، لكنه بدأ من علاقة بلا اسم ولا وضوح. أخذ ودخل وسكت. أما ثامار، فتكلمت، وراوغت، وانتزعت حقها… فكانت من صانعي النسل المقدس، ومن سلالة الذكرى الخالدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم