في سردية توراتية مشحونة بالتقاليد والرموز، يظهر ما يُعرف بـ"الزواج السَّلفي" أو "زواج المحلّف"
بوصفه طقسًا يُفترض أنه يحمل رسالة الوفاء للميت، لكنه في العمق يُثير تساؤلات أخلاقية واجتماعية حادة، تتعلق بالهوية والحرية والكرامة الإنسانية، لا سيما حين تصبح المرأة أداة، والرجل مجرد وسيلة لاستمرار اسم لا يمت إليه بشعور.
وفق الشريعة التوراتية (تثنية 25: 5-6)، إذا مات رجل دون أن يخلّف ولدًا، فعلى أخيه أن يتزوج أرملته، والابن البكر الناتج عن هذا الزواج لا يُنسب لأبيه البيولوجي، بل يُحسب على اسم الأخ الميت. الهدف المُعلن: "لئلا يُمحى اسمه من إسرائيل".
قد تبدو الفكرة نبيلة في ظاهرها، لكن تأملًا بسيطًا يكشف ما وراءها من مفارقات:
#### ● أولًا: أين إرادة الأرملة؟
المرأة في هذا النظام تُجبر على علاقة جديدة مع رجل لم تختره، وربما لا تربطها به أي مودة. وقد لا تجد حتى حق الاعتراض، إلا من خلال طقس "خلع النعل" المهين. فإن رفض الأخ الزواج، تقوم بالبصق أمام الشيوخ، ويُدعى بيت المخلوع. أهذا هو حقها؟ البصق في مقابل فقدان الكرامة؟
#### ● ثانيًا: وهل الأخ يحب أخاه ليقيم له نسلًا؟
التوراة نفسها مليئة بالعداوات بين الإخوة. من قايين وهابيل، إلى إسماعيل وإسحاق، ويعقوب وعيسو، وحتى إخوة يوسف. كيف نُصدّق أن الأخ – الذي قد يكره أخاه – سيرغب في إقامة نسل له؟ بل كيف يُطلب منه أن ينكر ابنه البيولوجي ويمنحه لاسم لا يعني له شيئًا؟
#### ● ثالثًا: وماذا لو كانت المولودة أنثى؟
السؤال مسكوت عنه. لا يُقال إن اسم الميت قد أُقيم بولادة أنثى. فالذكر وحده هو الحامل للاسم، وكأن الأنثى لا تملك شرعية التوريث، ولا تصلح أن تكون استمرارًا لأحد. حتى حين تأتي، لا تحقق الغرض من الزواج السلفي، فتُترك الأرملة كأنها لم تُنجب شيئًا.
#### ● رابعًا: وإن لم تُنجب؟ أو لم يكن للميت أخ أصلًا؟
ينقرض الاسم، ويُعتبر ذلك علامة غضب أو عقاب. لا تبنّي، لا توريث رمزي، لا نقل روحي. إن لم تُنجب الأرملة ابنًا من الأخ، فإن الميت يُمحى من السجل، وكأن وجوده لم يكن. أما الأرملة، فتُترك معلّقة، بلا زوج ولا ابن ولا مستقبل.
---
### ✒️ خلاصة نقدية:
نظام الزواج السلفي كما جاء في التوراة قد لا يكون طقسًا للوفاء، بل يبدو أحيانًا طقسًا للطمس.
طمس هوية الرجل الحي، وطمس إرادة المرأة، في سبيل وهم استمرار اسم ربما لم يكن حيًّا في القلوب.
فحتى الحيوانات تعرف نسلها، وترتبط به. أما الإنسان في هذه المنظومة، فيُطلب منه أن يُنكر ابنه، ويمنحه لظلّ لا يعود.
أيّ قداسة هذه التي تمحو إنسانًا لتحيي اسمًا؟
---
### 🕊️ التدوينة من إعداد:
**مدونة محمد عيسى**
تحليل نقدي لاهوتي اجتماعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم