الخميس، 12 يونيو 2025

أين ذهب إسحاق؟ فجوات صامتة في سرد التكوين

 

أعمارٌ محذوفة، وأحداثٌ مخفية: أين اختفى إسحاق ورفقة وعيسو؟

مات إسحاق عن عمر 180 عامًا. وإذا علمنا أن يعقوب وعيسو وُلدا حين كان إسحاق في الستين، فهذا يعني أن يعقوب وعيسو بلغا 120 عامًا عند وفاة والدهما.

لكن آخر ذكر لإسحاق في الرواية التوراتية كان حين بارك يعقوب وهو يظنه عيسو — وكان حينها يعقوب في الأربعين أو الخمسين على الأرجح. بعد تلك اللحظة، يختفي إسحاق تمامًا من السرد لثمانين سنة! لا نعلم شيئًا عن حياته، أو تفاعلاته، أو حتى موقفه من صراع ولديه، أو من مذبحة شكيم، أو موت زوجته رفقة.

وكأن السرد اختار أن يُسدل الستار على إسحاق وهو حي، ويجعله شبحًا في بيته، لا رأي له ولا فعل. وكذلك رفقة، التي لعبت دورًا محوريًا في خداع إسحاق، تختفي فجأة من النصوص، فلا يُذكر موتها، ولا مكان دفنها، ولا حتى مشاعر يعقوب تجاهها — رغم حبه الشديد لها، كما يُفترض.

أما عيسو، فبعد لقائه التمثيلي بيعقوب، يعود إلى الظل. لقد تحوّل إلى خصم بلا صوت، يؤدي دوره كخصم ثم ينسحب، كأن دوره لا يتعدى أن يكون رمزًا يُلوَّح به من بعيد، دون أن يُسمع له صوت أو رأي.

وفي المقابل، نجد التوراة تسهب في تعداد الغنم والماعز، وتماثيل راحيل المسروقة، وتفاصيل لا تُضيف جوهرًا إلى المعنى، مثل تغيير أسماء الأماكن مرارًا، ومراوغات يعقوب الدائمة في الأسماء والوعود.

تُروى حادثة اغتصاب، ثم تسرد بعدها مذبحة، لكن لا يُذكر شيء عن موقف الأب أو رد فعل الجد أو حتى صدمة الشعب. مشاهد متكررة ومفتعلة، تقابلها أحداث كبرى غائبة، كأن القصد ليس رواية التاريخ، بل إخراجه بطريقة تخدم سردية معينة.

في هذا الغياب المدروس، يصبح الصمت أداة للسيطرة على المعنى، ويتم استبدال الشخصيات الحقيقية بتفاصيل سطحية. وكأن التوراة تقول لنا دون أن تصرح: ليس المهم من عاش، بل من نريد أن تتذكروه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم