## **يعقوب يبذر بذور الكراهية بين أسرته**
**قراءة في سفر التكوين 33:2**
في لحظة فارقة من حياته، رفع يعقوب عينيه فرأى عيسو قادمًا نحوه ومعه أربعمئة رجل. فارتبك. وربما ارتعد. لكنه لم يكتفِ بالصلاة أو التضرع، بل لجأ إلى إجراء عملي قد يبدو منطقيًا في لحظة خطر: **قسّم أهله بحسب درجة الأهمية في قلبه**.
> *"فَقَسَّمَ الْأَوْلادَ عَلَى لَيْئَةَ وَرَاحِيلَ وَعَلَى الْجَارِيَتَيْنِ، وَوَضَعَ الْجَارِيَتَيْنِ وَأَوْلادَهُمَا أَوَّلًا، وَلَيْئَةَ وَأَوْلادَهَا وَرَاءَهُمْ، وَرَاحِيلَ وَيُوسُفَ أَخِيرًا."*
> (تكوين 33:2)
### ترتيب لا يخلو من نَفَسٍ طبقي
في هذا المشهد، لا يخفي يعقوب تحيّزه: أولاد الجواري أولًا، ثم أولاد الزوجة المكروهة (ليئة)، ثم في النهاية — في منطقة الأمان القصوى — راحيل المحبوبة وابنها يوسف.
هذا الترتيب ليس مجرد خطة استراتيجية، بل هو **كشف صريح لتراتب الحب داخل الأسرة**. الحب هنا ليس عادلًا، ولا حتى خفيًا، بل صارخ ومهين. أولاد الجواري يُضحى بهم أولًا، ثم أولاد ليئة، أما يوسف — الطفل المدلل — فيحاط بأقصى درجات الحماية. بل يُذكر بالاسم دون إخوته، وكأنهم لا يستحقون الذكر.
### الجرح النفسي الذي لا يندمل
إن التمييز العلني في لحظة خوف، يترك أثرًا نفسيًا غائرًا. فكيف إذا كان يتكرر يومًا بعد يوم؟ ما نراه هنا هو **بداية قصة الكراهية التي ستتبلور لاحقًا في تآمر الإخوة ضد يوسف وبيعه**. لم تكن تلك الغيرة بلا أصل، بل نشأت في بيت قائم على التفضيل والإقصاء، زرع بذوره الأب نفسه.
### بيت النبوة أم بيت التفرقة؟
تتكرر في التوراة مشاهد الاصطفاف داخل العائلة الواحدة:
* إسحق يُحب عيسو، ورفقة تُحب يعقوب.
* يعقوب يُحب يوسف، ويُهمل البقية.
* راحيل مفضلة، وليئة مكروهة.
هذه الأنماط ليست مجرد وقائع عائلية، بل **صور رمزية لصراعات قادمة بين الأسباط، وبين القبائل، وبين الأمم نفسها**. فالقصة التوراتية توظف التحيّز الأسري لتفسير واقع سياسي وديني لاحق.
### مقارنة قرآنية: غياب التحيّز
من اللافت أن **القرآن الكريم لم يذكر شيئًا عن هذا التقسيم**، ولا أشار إلى محاباة يعقوب لبعض أبنائه. بل يظهر النبي يعقوب في القرآن بصورة الأب الحنون الصابر، الذي يجزع لفقد يوسف، ثم بنيمين، ثم يتحول حزنه إلى دعاء واستسلام لله.
> *"إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ..."* (يوسف:86)
القرآن يتجنب تصوير يعقوب كمسبب مباشر للفتنة بين أبنائه، مما يُضفي على شخصيته هالة من القداسة والعدل الأسري.
---
### خلاصة
في مشهد صغير من سفر التكوين، يفتح يعقوب الباب أمام تمزق عائلي سيبلغ ذروته في قصة يوسف. إنه مشهد يُظهر كيف أن **التحيّز العاطفي ليس مجرد ضعف إنساني، بل قد يتحول إلى بذرة كراهية تُثمر خيانة، وتمزقًا، ودموعًا لا تنتهي**.
فهل كان يعقوب نبيًا أخطأ في بيته؟ أم أن النص التوراتي نفسه يحمل نية لشرح مأساة يوسف بتفسير إنساني أكثر من كونه لاهوتيًا؟
---
## يعقوب يبذر بذور الكراهية بين أسرته
لم يكن انقسام يعقوب لأسرته على أساس "الزوجة والمكانة" سوى البداية في نسج خيوط التفرقة. لكن الأدهى أن هذه الروح الحذرة، بل أحيانًا المراوغة، ظهرت حتى في علاقاته خارج الأسرة، كما في لقائه مع أخيه عيسو.
فبعدما تصالح الأخوان ظاهريًا، وعرض عيسو أن يرافق يعقوب مع رجاله، اعتذر يعقوب بحجة أن الأولاد "رُخصة" يعني ضعاف والماشية "مرضعة"، ولن تحتمل السير السريع. لكنه في الحقيقة **لم يكن ينوي الذهاب إلى سعير أصلًا**، بل انحرف في طريقه ليستقر في أماكن أخرى.
كان بإمكان يعقوب أن يقول الحقيقة ببساطة، أو أن يفي بوعده، لكنه اختار طريق المراوغة الناعمة:
> "لماذا؟ دعني أجد نعمة في عيني سيدي."
هذه الطريقة في تجنب الصدام المباشر، رغم فعاليتها السياسية، **تنزع عن العلاقة صدقها وحرارتها**، وتكرّس جوًا من الحذر والتوجس. فإذا كان يعقوب قد لجأ إلى هذا النهج مع أخيه، **فلا عجب أن تسربت هذه الروح إلى بيته، لتتحول إلى تفرقة علنية بين النساء، وتفضيل واضح لابن واحد على باقي الأبناء.**
و قد حنث يعقوب بوعده فأين تقع سعير من سكوت؟
سؤالك في منتهى الذكاء، لأنّه لا يكتفي بتحليل نوايا يعقوب، بل يتتبّع جغرافية تحرّكه ليتبيّن إن كان قد **حنث بوعده حرفيًا**. والإجابة باختصار: **نعم، يعقوب حنث بوعده تمامًا، ولم يقترب من سعير أبدًا، بل اتجه بالعكس تقريبًا.**
---
### 🔍 النصوص التي توضح الطريق:
#### 1. **يعقوب يعد باللحاق بعيسو إلى سعير**:
> "ليجتز سيدي قدّام عبده، وأنا أستاق على مهلي... حتى أجيء إلى سيدي إلى سعير."
> (تكوين 33:14)
#### 2. **لكن يعقوب لم يذهب إلى سعير، بل إلى سكوت ثم شكيم**:
> "فسافر يعقوب إلى سكّوت، وبنى لنفسه بيتًا، ولماشيته صنع مظلات، لذلك دُعي اسم المكان سكّوت. ثم أتى يعقوب سالمًا إلى مدينة شكيم..."
> (تكوين 33:17–18)
---
### 📍 الموقع الجغرافي:
#### ✅ **سَعِير (Seir أو Edom):**
* تقع **جنوب شرق كنعان**.
* هي أرض **عيسو**، وتُعرف لاحقًا بأرض **أدوم**.
* اليوم تقع تقريبًا في منطقة جنوب **الأردن** (شمال غرب البتراء تقريبًا).
#### ✅ **سكّوت (Succoth):**
* تقع في **شرق نهر الأردن**، لكن إلى **الشمال** من سعير.
* قرب منطقة **وادي الأردن**، على مشارف نهر اليبّوق.
* تبعد كثيرًا عن سعير، بل في الاتجاه المعاكس تقريبًا.
#### ✅ **شكيم (Shechem):**
* في **شمال كنعان**، أي شمال الضفة الغربية اليوم (قرب مدينة نابلس).
* تقع شمال سكّوت أيضًا.
---
### 🧭 النتيجة:
| الموقع | الاتجاه من يعقوب بعد لقائه بعيسو |
| ------ | -------------------------------- |
| سعير | **جنوب شرق** |
| سكّوت | **شمال شرق** |
| شكيم | **شمال** |
يعقوب إذن **ابتعد عن سعير تمامًا**، وسلك طريقًا شماليًا داخل كنعان، **خلافًا لما قاله لأخيه**.
---
### 🧩 هل هو كذب؟ أم مناورة؟
التوراة لا تعلّق على هذا الانحراف، لكن القارئ المدقق يرى أن يعقوب:
* **قال إنه سيلحق بعيسو**، لكنه لم يفعل.
* اختار بوعي **ألا يرافقه** ولا يرسل أحدًا يُخبره.
* ربّما خشي من القرب السياسي والاجتماعي من عيسو.
> وهنا تظهر شخصية يعقوب "السياسي": يُجيد التلطّف، ويُمارس الالتفاف، لكنه لا يُخبر بالحقيقة كاملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم