الخميس، 26 يونيو 2025

خمسة من إخوة يوسف… لماذا صمت الستة الآخرون؟

 


خمسة من إخوة يوسف… لماذا صمت الستة الآخرون؟

وسط السرد المتسارع في قصة مجيء يعقوب وأبنائه إلى مصر، تمر جملة قصيرة في (تكوين 47:2) تبدو عابرة، لكنها تخفي خلفها سؤالًا ثقيلًا:

«وأخذ خمسة رجال من إخوته وقدمهم أمام فرعون»

لماذا خمسة فقط؟ ولماذا صمتت التوراة عن الستة الآخرين؟ وهل لهذا الاختيار دلالة أعمق من مجرد التنظيم البروتوكولي؟

1. خمسة... لا سبعة ولا اثني عشر!

الرقم خمسة في العقل العبري ليس رقمًا كماليًا، بل رقم ناقص يوحي بالتجزئة والتمثيل الجزئي.
يبدو أن يوسف قصد بذلك عرض "عينة ناعمة" من العائلة أمام فرعون، تجنبًا للارتباك أو الصدمة أمام ملك وثني يراقب عن كثب عائلة أجنبية قادمة للاستقرار.

2. رواية راشي: إخفاء القوة

في التفسير اليهودي التقليدي، اختار يوسف الضعفاء بدنيًا من إخوته، حتى لا يظهروا كمحاربين أو يشكّلوا تهديدًا سياسيًا لفرعون.
بمعنى آخر: كان يوسف يمارس سياسة تمثيل محسوب ومدروس أمام سلطة عليا، لتأمين القبول.

3. الستة المستبعدون… صمتهم لافت

النص لا يذكرهم، ولا يروي موقفهم، ولا يعقّب على استبعادهم.
فهل صمتوا لأنهم اعتادوا اتباع يوسف؟
أم أن الكاتب – أو المحرر النهائي – تعمد إخفاء الفروق الحساسة داخل القبيلة الواحدة حفاظًا على صورة التوحّد الوهمي؟


جذور الانقسام السوسيولوجي واللاهوتي في بني إسرائيل

ما يبدو في ظاهره قرارًا إداريًا عابرًا من يوسف، قد يكشف في عمقه عن بنية اجتماعية ولاهوتية مختلة بدأت في التكوين من لحظة دخول بني إسرائيل إلى مصر.

  • سوسيولوجيًا: بدأ الفرز بين الإخوة، وتمييز بعضهم عن بعض، ليس بناءً على السن أو الأم أو التقوى، بل على اعتبارات القوة والتمثيل والملاءمة السياسية.

  • لاهوتيًا: هذا التمييز سيمتد في النصوص اللاحقة، في تفضيل أسباط على أسباط، ومنح بعضها البركة أو الكهنوت أو الأرض، وحرمان أخرى من الذكر أو الدور.

إنه الانقسام الأول الخفي، الذي سيمتد لاحقًا إلى انقسام المملكة، والصراعات بين سبط يهوذا والمملكة الشمالية، وتهميش بعض الأسباط من التاريخ المقدس نفسه.

وبهذا، لا يكون يوسف مجرد وسيط إنقاذ، بل أول من زرع بذرة التفاوت البنيوي بين أبناء يعقوب – تفاوت سيتحوّل لاحقًا إلى انقسام شعبي ولاهوتي لا يُرمّم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم