العبراني في قصة يوسف: وصف بريء أم تحقير متعمد؟
في قصة يوسف كما وردت في سفر التكوين، تبرز كلمة "العبراني" أكثر من مرة، على لسان أشخاص مختلفين، وفي سياقات لا تخلو من الدلالة. لكن لماذا هذا الإصرار على وصف يوسف بالعبراني؟ وهل الكلمة بريئة، أم تحمل ازدراءً طبقيًا أو قوميًا؟
## ما معنى "عبراني"؟
كلمة "عِبري" أو "عبراني" (Hebrew = עברי) تُطلق أولًا على إبراهيم (تكوين 14: 13)، ويُعتقد أنها تعود إلى "عابر" أحد أجداده. لكن الكلمة لغويًا تعني:
* من الجذر "عبر" = اجتاز أو عبر.
* أي: العابر، المتنقل، أو الغريب.
وبذلك، يمكن أن تشير إلى:
* البدوي أو الرحّل.
* الغريب عن الأرض أو عن المجتمع.
* شخص بلا وطن مستقر.
وغالبًا ما حملت الكلمة في العصور القديمة دلالة دونية اجتماعية.
## متى وُصِف يوسف بـ "العبراني"؟
### امرأة فوطيفار:
> «دخل إليّ العبد العبراني الذي جئت به إلينا...» (تكوين 39: 17)
* تصف يوسف بأنه عبد، ثم تؤكد غربته بكلمة "عبراني".
* الجمع بين الصفتين (عبد + عبراني) يشير إلى ازدراء متعمد.
### رئيس السقاة:
> «وكان هناك معنا غلام عبراني...» (تكوين 41: 12)
* وصف يوسف بأنه غلام (تصغير)، ثم عبراني (غريب).
* وكأنها محاولة لتقليل شأنه، حتى مع اعترافه بقدرته على تفسير الأحلام.
## هل "عبراني" تعني لص أو مرتزق؟
ليست كذلك حرفيًا، لكنها كانت تُستخدم أحيانًا بوصف:
* البدوي الغريب.
* العامل الأجير.
* شخص بلا هوية مستقرة.
> أي أنها حملت دلالات دونية، خاصة في مجتمع مثل مصر القديمة، حيث الطبقية واضحة.
## يوسف نفسه يقول:
> «إني سُرقت من أرض العبرانيين...» (تكوين 40: 15)
وهنا تبرز مشكلتان:
1. **"سُرقت"**: يوسف لم يُسرق بل بيع، فالكلمة غير دقيقة.
2. **"أرض العبرانيين"**:
* لا وجود لكيان اسمه "أرض العبرانيين" وقتها.
* كنعان كانت أرض الكنعانيين، لا العبرانيين.
> ما قاله يوسف ربما كان مجازًا أو محاولة لإضفاء هوية قومية بأثر رجعي.
## هل كان هذا تضليلًا أم تبريرًا؟
من الواضح أن:
* وصف يوسف بـ "العبراني" لم يكن محايدًا.
* واستخدامه للكلمة ربما كان دفاعًا عن نفسه، لكنه حمل مبالغات.
* أما امرأة فوطيفار والساقي، فاستعملوها للانتقاص منه.
## خاتمة:
كلمة "عبراني" في قصة يوسف ليست مجرد وصف قومي. بل تُستخدم كرمز:
* **للغربة**.
* **للمرتبة الأدنى**.
* **وللتنصل الطبقي في مجتمع مغلق**.
فهي كلمة تحمل في طيّاتها كل ما يُراد قوله دون تصريح: "هذا ليس منا، ولا يستحق شيئًا".
> وبينما يرتقي يوسف في المكانة، يظل اسمه مربوطًا بلقب يُذكّره دومًا: أنت الآخر، حتى لو كنت الأفضل.
---
✍️ مدونة محمد عيسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم