الخميس، 19 يونيو 2025

خطيئة تمار ليست خطة الله: قراءة أخلاقية ونقدية لقصة يهوذا وتمار

 

خطيئة تمار ليست خطة الله: قراءة أخلاقية ونقدية لقصة يهوذا وتمار


في إحدى أغرب قصص سفر التكوين (الإصحاح 38)، نجد أنفسنا أمام مشهد مُربك: امرأة تتنكر بغطاء الوجه، تجلس على الطريق، وتدخل في علاقة جنسية مع حماها، فتحمل منه، وتُصبح أمًا لطفلين يُصبح أحدهما – فارص – من سلالة داود ثم المسيح.


فهل هذه الخطيئة كانت جزءًا من خطة الله؟ أم أن النص يُبرر ما لا يُبرَّر؟


## تمار ويهوذا: موجز القصة


تمار كانت زوجة لابن يهوذا الأكبر "عِير"، ثم لابنه الثاني "أونان"، وفق نظام يُسمى "الزواج الإحلالي" (ليفيرات). مات الاثنان دون أن يُنجبا، فوعدها يهوذا بتزويجها من الابن الثالث "شِيلة" عند بلوغه، لكنه لم يفِ بوعده. شعرت تمار بالخذلان، فتنكرت كزانية وجلست على طريق يهوذا، فوقع في الفخ، ودفع لها رهنًا (خاتمه، سواره، عصاه)، ثم حبلت منه، وأنجبت توأمين: فارص وزارح.


## هل كانت الخطة من الله؟


النص لا يقول إن الله أمر تمار بهذا الفعل. لكنه لا يُدينها أيضًا. بل إن يهوذا يعترف:

**"هي أبرّ مني، لأني لم أعطها شيلة ابني"**.


ويتم قبول المولود فارص لاحقًا في نسب داود والمسيح (متى 1:3).


فهل هذه الخاتمة تُضفي قداسة على الفعل؟


## زنا أم بطولة؟ تحليل أخلاقي


* تمار **خططت** للفعل وأقدمت عليه عن سبق إصرار.

* يهوذا **رغب** فيها وهو يعلم أنها زانية بحسب ظنه.

* كلاهما **لم يكن مضطرًا** للفعل: لا مجاعة، لا إكراه، لا تهديد.

* وهذا يختلف جذريًا عن قصة يوسف، الذي رفض الزنا رغم الإغواء والتهديد.


> فشتان بين من يُستدرج ويصبر، وبين من يُخطط ويسقط.


## تغطية الوجه: رمزية أم مغالطة؟


في النص، حسبها يهوذا زانية لأنها غطت وجهها. لكن هذا يتناقض مع أعراف الزمن، إذ كانت تغطية الوجه سمة النساء العفيفات، لا الزواني.


كما أن يهوذا لم يعرفها لا من صوتها، ولا حديثها، رغم كونها زوجة لابنين من أبنائه. فهل يُعقل أن يُسلم رجل عاقل كل ما يثبت هويته لامرأة مجهولة، ويقيم معها علاقة دون أن يرى وجهها؟


> القصة تبدو رمزية، أكثر منها واقعية.


## نقد لاهوتي: الله لا يعمل بالخطيئة


أن يولد من هذا الاتحاد نسل يُستخدم لاحقًا في النسب المقدس لا يعني أن الفعل كان طاهرًا.


الله قادر أن يُخرج الخير من الشر، لكنه لا يُجيز الشر كي يصنع الخير.


فكما قيل عن يوسف:

**"أنتم قصدتم بي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا"** (تكوين 50:20)


فالقصد الإلهي لا يُبرر الوسيلة الخاطئة.


## حين يتقاطع الزنا مع النسب المقدس


قصة تمار تُربك الحس الأخلاقي، لكنها تكشف عن أسلوب بعض كتبة العهد القديم في تبرير ما لا يُبرَّر باسم الغاية. فالمرأة التي تم خداعها تُصبح هي المخادعة، والزانية تُصبح الأم البطلة، والخطيئة تُصبح جسرًا نحو الخلاص!


وهذا لا يتفق مع منطق النبوة، ولا مع طبيعة الإله العادل، الذي لا يخلط نوره بظلمة، ولا يقدّس الزلل.


## مفارقة الحكم بالحرق: عدالة منتقاة


عندما أُخبِر يهوذا أن تمار حبلى، لم يسأل عن السبب، بل قال بحدة:


> «أخرجوها فلتُحرَق!»


وهنا تتجلّى صورة قاتمة من النفاق:


* يهوذا يُدين الزنا، لكنه مارسه.

* يهوذا يطلب الحرق، دون دليل أو محاكمة.

* وحين تبيّن أنها كانت معه، لا يُحاسب نفسه، بل يكتفي باعتراف بارد: «هي أبرّ مني».


> فهل التوبة تأتي حين نُفضح، أم حين نندم؟


تمار لم تنطق باتهام، بل أرسلت رهونه كدليل. امرأة تُعاقب بلا تحقيق، ثم تُكرَّم بلا تفسير، فقط لأن الرجل اعترف.


## خاتمة


قصة تمار ليست قصة طُهرٍ ولا طاعة، بل قصة خذلان وظلم ثم مكيدة جنسية. والقول بأنها كانت جزءًا من خطة الله، هو تشويه لله نفسه.


تمار لم تُعاقب لأنها استطاعت كشف النفاق، لا لأنها بريئة. ويهوذا لم يُعاقب لأنه كان رجلًا.


لذلك، تبقى قصة تمار ويهوذا **عبرة** في انحدار الأخلاق حينما يتخلى الناس عن العدل، وليست نموذجًا يُحتذى أو يُشرّع.


---


✍️ مدونة محمد عيسى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم