في أرضٍ كانت تسمى قديماً "الملتقى"، حيث تلتقي البحور وتتشابك الرمال، اجتمع ثلاث ملوك في ليلٍ بلا قمر. أحدهم كان يرتدي قبعة من نار، والثاني يحمل مفاتيحًا من ذهب، والثالث لا يتكلم إلا عبر شاشات من زجاج.
قال ملك النار:
"لن ندخل من البوابة القديمة، فقد أصبح حارسها شحيحًا، يتحدث كثيرًا عن الشرف وينسى أن العالم لا يُحكم بالشرف بل بالعبور المجاني لنا ."
ضحك ملك الذهب وقال:
"نصنع بوابة جديدة، من زجاج وعهر، تمرّ عبرها السفن، والسائحون، وتبقى أرواح الشعوب في الزنازين."
صمت الثالث، ثم أرسل طائرة صغيرة دون طيار، لتزرع على الشاطئ برجًا من نار وقاعدة من حديد.
في الصباح، استيقظ أهل المدينة على ضفتين:
ضفة فيها مدينة من دخان وزجاج ومرايا،
وضفة فيها أسلاك، وجندي يشتم الريح.
وسميت البوابة الجديدة:
**"قناة الطيف"،**
لأن كل ما مرّ منها فقد لونه.
في تلك البلاد، كان للبحر وجهان:
واحد يضحك من سفن التجارة،
وآخر يبكي من أجساد الأطفال التي لم تصل الشاطئ.
كانت هناك بوابة قديمة، من حجر وعَرق، تسمى "السور الأزرق"، يحرسها شيخ فقد ذراعه في حرب لم تُكتب في الكتب. كان ينادي السفن:
"ادفعوا ما يليق بالماء، فالماء ليس مجانياً."
لكن الملوك الثلاثة لم يعجبهم صوت الشيخ.
قرروا بناء بوابة جديدة، لا حجر فيها ولا حارس. شقّوا طريقاً من النيران بين الجبال، ووضعوا لافتة كُتب عليها:
"مرحباً بكم في قناة الطيف – أول عبور بلا ذاكرة."
أُضيئت الضفتان بأضواء لا تنطفئ، وظهر في السماء إعلان:
"مدينة نيورا: حيث لا قوانين سوى الرفاه، ولا حدود سوى الرغبة."
نيورا، التي كانت ذات يوم صحراء لا يُسمع فيها سوى همس الرمال، أصبحت مغطاة بالزجاج، وتحت الزجاج نساء يشبهن الشاشات، ورجال بلا ظلال.
في قلب المدينة، بُنيت مئذنة من مرايا، يدور فوقها طير حديدي يرصد كل همسة.
أما الجزر، التي كانت يومًا حارسًا لفم البحر، فقد تحولت إلى نوادٍ للمقامرة بالعواطف، حيث ترقص العملات الرقمية على أنغام عازفين قادمين من عوالم لا تُعرف لها جغرافيا.
على حافة الضفة الأخرى، جلس الشيخ، ينظر إلى البحر الجديد. كانت السفن تمر، لا تسأل، لا تلوّح، لا تدفع شيئًا.
قال العجوز لنفسه:
"لقد بلعوا البحر، فابتلعنا الصمت."
ثم أخرج من كيسه ورقة قديمة، خريطة مرسومة على جلد خروف، وقال لحفيده:
"يوماً ما... سنعيد رسم الممر بالحبر والدمع، لا بالنفط والنسيان."
وفي تلك اللحظة، سقط أول نيزك رمزي في صحراء المدينة، لا يحمل نارًا... بل سؤالًا.a
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم