إسحاق الغريب في أرض أبيه!؟ تحليل نقدي لقصة تغرّب إسحاق في جرار
بقلم: \محمد عيسي
---
## مقدمة:
في الإصحاح 26 من سفر التكوين، نجد قصة تغرّب إسحاق في أرض "جرار"، ووقوعه في موقف شبيه بما حدث سابقًا مع أبيه إبراهيم. غير أن هذه القصة، عند قراءتها بتمعن، تكشف عن سلسلة من المفارقات والتناقضات في المنطق السردي والدلالات التاريخية. هذا التحليل يسعى لتفكيك هذه القصة وربطها بسياقها الجغرافي والزمني والديني.
---
## إسحاق: الغني المجهول؟
من المفترض أن يكون إسحاق شخصية معروفة تمامًا في جنوب كنعان:
* ابن إبراهيم، النبي الغني المعروف الذي عاش في بئر سبع والخليل وتجوّل في مصر.
* شقيق إسماعيل وخال لوط، وشخصية محورية في نسل مبارك حسب الرواية التوراتية.
* ورث أملاك أبيه من أراضٍ وآبار وقطعان وغنى كبير.
وزوجه بحفيدة أخيه ناحور
* وُلد قبل دمار سدوم وعمورة وكان في عمر 75 عامًا يوم دفن إبراهيم.
➤ كيف لا يعرفه أبيمالك، ملك جرار، الذي كان يعرف إبراهيم وقطع معه عهدًا؟ كيف يكون مجهولًا في جرار بعد عشرات السنين من حياة أبيه هناك؟
---
## المجاعة والثراء: مفارقة مريبة
النص يخبرنا عن مجاعة دفعت إسحاق إلى جرار، وأمره الله بالتغرّب في الأرض:
> "تغرّب في هذه الأرض، فأكون معك وأباركك" (تكوين 26:3)
لكن نفس النص يخبرنا أن إسحاق:
* كان غنيًا جدًا، وازداد مالًا وزرعًا.
* زرع في تلك الأرض وحصد مئة ضعف.
➤ فكيف تكون هناك مجاعة فعلية؟ هل المجاعة في الجنوب مرتبطة بانقطاع المطر؟ أم بانعدام التجارة؟
➤ أليس الجنوب ممرًا تجاريًا نشطًا يصل مصر باليمن وبقية بلاد الشام؟
➤ هل يعقل أن يعاني ابن نبي ثري من المجاعة وهو يملك ذهبًا وفضة وقطعانًا؟
---
## تغرّب أم إقامة؟
النص يدعو إسحاق للتغرّب، بينما هو في أرض ورثها عن أبيه، مثل بئر سبع. وكان قد جاء من "بئر لحي رئي" حيث عاش سابقًا.
المسافات:
* من بئر سبع إلى جرار: نحو 25 إلى 30 كم.
* من بئر لحي رئي إلى بئر سبع: نحو 75 كم.
وكان اسحاق قد اتى من ورود بئر لحي رئي، اذ كان ساكنا في ارض الجنوب.ت 24
➤ فكيف يُدعى ذلك تغرّبًا؟ هل المقصود التغريب السياسي أو الاقتصادي؟ أم هو بناء رمزي فرضه الكاتب لإعادة إنتاج حياة إبراهيم في إسحاق؟
---
## مشهد "الزوجة الأخت": تكرار مريب
إسحاق يدّعي أن رفقة أخته خوفًا من القتل، كما فعل إبراهيم سابقًا مع سارة.
لكن:
* لا أحد يحاول أخذها.
* لا تظهر أحلام أو تحذيرات إلهية كما حدث مع أبيمالك سابقًا.
* ثم يصدر أبيمالك تحذيرًا صارمًا:
> "الذي يمس هذا الرجل أو امرأته موتًا يموت" (تكوين 26:11)
➤ على أي أساس؟ لا توجد واقعة تستدعي هذا الحذر. النص يبدو وكأنه يُسقط قصة سابقة على واقع لا يدعمها.
---
## تكرار الزيارة الملكية:
بعد فترة، يزور أبيمالك إسحاق ومعه "فيكول رئيس جيشه" و"أحزات من أصحابه".
> "وذهب إليه أبيمالك من جرار وأحزات من أصحابه وفيكول رئيس جيشه" (تكوين 26:26)
➤ هذا المشهد أيضًا تكرار لما حدث سابقًا مع إبراهيم (تكوين 21:22)، حيث جاء أبيمالك مع فيكول لقطع عهد.
* نفس الشخصيتين.
* نفس الحدث (طلب عهد سلام).
* دون تبرير كافٍ، خاصة أن إسحاق لم يظهر عداءً أو تهديدًا.
---
## هل يعاد إنتاج قصة الأب في الابن؟
يتضح أن الكاتب يحاول بشكل متعمد نقل حياة إبراهيم إلى إسحاق، مع إعادة تمثيل الأحداث:
* المجاعة.
* النزول إلى الجنوب.
* ادعاء الزوجة أختًا.
* خوف من القتل.
* تدخل ملكي.
* زيارة رسمية من أبيمالك وفيكول.
➤ ولكن دون العمق الدرامي أو الضرورة التي صاحبت أحداث إبراهيم. مما يوحي بتكرار سردي لا يخدم الحبكة بل يضعفها.
---
## خاتمة:
قصة تغرّب إسحاق تكشف لنا عن نمط سردي مكرر:
* تغرّب بلا مبرر.
* مجاعة لا أثر واقعي لها.
* تهديد ملكي بلا حادثة.
* ومشهد سياسي منسوخ من قصة الأب.
➤ مما يدفعنا للتساؤل:
**هل نحن أمام نصوص تعكس وقائع تاريخية؟ أم أمام إعادة إنتاج رمزية لتمجيد النسل المختار؟**
هل إسحاق كان فعلاً غريبًا في أرض أبيه؟ أم أن النص تعمّد أن يجعله غريبًا حتى يُصبح نبوءة متكررة لا تتغير؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم