### قراءة اجتماعية في قصة إبراهيم وسارة وهاجر: بين النص والتأويل
في نهاية تكوين 22، نُخبر بولادة نسل ملكة أخت إبراهيم، وكأن ذلك يفتح الباب لإعادة التفكير في الوريث والدم والعائلة. لكن في المقابل، يُغلق المشهد سريعًا بحدثٍ درامي: موت سارة.
سارة، التي كانت شريكة إبراهيم في كل ترحاله، والتي خرجت من بيت أبيها تارح معه، تموت عن 127 عامًا. وبعملية حسابية دقيقة، نكتشف أن سارة ماتت بعد وفاة والدها تارح بعامين، مما يكشف أن إبراهيم وسارة قد هجرا والدهما قبل زمن طويل، ولم تشر التوراة إلى عودتهما لوداعه، رغم أن حياته انتهت في ذات الأرض التي سكنها إبراهيم لاحقًا.
في المقابل، نرى سلوكًا مختلفًا من إسماعيل. هذا الابن الذي طُرد صغيرًا إلى الشرق مع أمه، يُذكر أنه شارك في دفن إبراهيم بعد موته. في هذا التفصيل البسيط تتجلى قيمة كبرى: لقد كان إسماعيل بارًا بأبيه، بينما كان إبراهيم قد ترك أباه تارح ليموت بعيدًا، بلا ذكر، وبلا دفن يليق بمقامه كأب.
لكن الملاحظة الأكثر إثارة تكمن في **غياب إسحاق تمامًا عند موت أمه سارة**. رغم أنه "ابنها الوحيد"، إلا أن التوراة لم تذكر له موقفًا: لا عند الوفاة، ولا عند الدفن، ولا حتى لحظة حزن. فهل كان غيابه ناتجًا عن بُعد جسدي؟ أم عن فتور في العلاقة؟ أم هو صمتٌ يعبّر عن هشاشة الروابط داخل هذا البيت الأبوي المتسلط؟
لقد قاد إبراهيم عملية الدفن وحده، ورفض أن يُدفن في أرض امتلكها الآخرون، فاشترى مغارة المكفيلة من الحثّيين بمال، رغم أنهم عرضوا الأرض مجانًا، مما يعكس مرة أخرى شخصية إبراهيم التاجر المحسوب في كل شيء: في التنقل، في الزواج، في الوراثة، وفي الموت.
وما إن ماتت سارة، حتى بدأ إبراهيم –وقد بلغ 140 عامًا– يمارس ما يشبه الحرية المتأخرة: تزوج من قطورة، وأنجب منها، ثم أنجب من جوارٍ أخريات، ووزّع أبناءه شرقًا، كما فعل مع إسماعيل من قبل. بدا وكأنه بعد زوال سارة، استعاد قراره، وحرّيته، ونزعة السيطرة.
لكن مشهد بكائه الوحيد كان عند موت سارة، وكأنها كانت قيده الأقرب، وربما شريكته الأقوى.
ورغم أن إبراهيم عاش عمرًا مديدًا، وخاض أربع هجرات، وبنى أربعة مذابح، وتعامل مع ملوك، وخدعهم أحيانًا، وراكم الثروات، فإننا لا نراه نبيًا مبشّرًا، ولا داعية، ولا صاحب رسالة واضحة. بل نرى رجلاً يتنقل بين الأرض والوعود، بين الرب والملاك، بين المذبح والمكيدة، يبحث عن الوريث، ويحرص على المال، ويخاف من خسارة النفوذ.
بل إن صورة الله في النص التوراتي بدت مضطربة: يظهر، ويعد، ويتراجع، ويوسّع، ثم يضيّق، ويكرّر الوعود عشرات المرات، دون تنفيذ مباشر. أحيانًا يُنزل عقابًا من أجل إبراهيم، وأحيانًا يسكت على ظلمه لهاجر، ثم يعيد الظهور في برية بئر سبع لينقذ إسماعيل، فيحدث الخلط بين "الرب" و"ملاك الرب" بشكل يثير التساؤل اللاهوتي.
لقد بدا المشهد وكأنه يعكس بناءًا مركبًا من القص واللصق والتلفيق، حيث تتكرر الوعود، وتتعدد الشخصيات، وتتشابك الأدوار بين الإلهي والبشري، بين النبي والتاجر، بين المرأة الحرة والسرية الطاردة والمطرودة.
في النهاية، **من بقي؟**
* بقي إسماعيل بارًا.
* بقي إسحاق غائبًا.
* بقي إبراهيم مدفونًا بجوار زوجته، في قبر اشتراه من أناس لم يرد مصاهرتهم.
وهكذا، تكون نهاية القصة أكثر إفصاحًا عن بداياتها: **بيتٌ تقوده امرأة قوية، ورجل حذر، وأبناءٌ تُقسّم عليهم الوعود بحسب الحسابات، لا بحسب العدالة**.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم