شفرة وفوعة... وهل يُخدع فرعون مصر بكذبة نسائية؟
**قراءة نقدية لسفر الخروج 1:15–19**
في سردية سفر الخروج، يُقدَّم فرعون مصر بوصفه رمزًا للطغيان، ملكًا يخاف من تكاثر بني إسرائيل، ويأمر بقتل أطفالهم الذكور. لكن وسط هذه الصورة "المخيفة"، يفاجئنا النص بمشهدٍ عجيب:
**ملك مصر يتحدث مرتين إلى قابلتين عبريتين… ويُخدع منهما بكذبة بسيطة!**
---
### 🔹 القصة كما وردت في النص:
* **فرعون يخاطب شفرة وفوعة**، قابلتي العبرانيات، ويأمرهما بقتل كل مولود ذكر عند الولادة.
* **القابلتان تخالفان الأمر** خوفًا من الله، ويستحييان الأولاد.
* **فرعون يستدعيهما ثانية** ويسألهما: لماذا خالفتما أمري؟
* فتجيبان: "النساء العبرانيات قويات، يلدن قبل أن تأتيهن القابلة."
وهكذا، بحسب النص، يكتفي فرعون بالكذب، ولا يعاقب القابلتين، بل تنتهي القصة بأن الله باركهما!
---
### ❓ أين المشكلة؟
المشكلة تكمن في **اللامنطق**، و**عدم تناسب الحدث مع شخصية فرعون كما صوّرها النص نفسه لاحقًا**:
---
### 🔻 أولاً: هل يخاطب فرعون قابلتين مرتين بنفسه؟
فرعون في سفر الخروج:
* يُمثل سلطة مركزية مطلقة.
* لاحقًا يخاطب موسى بكل تكبّر وتهديد.
* يُصدر قرارات إبادة جماعية.
فكيف:
* يكلّم بنفسه قابلة وعاملة بسيطة مرتين؟
* لا يُرسل إليهما ضباطًا أو أوامر تنفيذية؟
* لا يتخذ أي إجراء عقابي بعد مخالفة الأمر صراحة؟
🎯 **النتيجة**: يظهر فرعون هنا بشكل غير واقعي… أشبه بـ"رجل ساذج" يتلاعب به عاملتان بسيطتان.
---
### 🔻 ثانيًا: الكذبة ضعيفة سرديًا
* تقول القابلتان: "العبرانيات قويات يلدن بسرعة قبل أن نصل."
* لكن هذا يثير سؤالًا فوريًا:
**إذا كانت النساء لا يحتجن لقابلة، فكيف عُيّنتما كقابلتين أصلًا؟**
* وما وظيفة القابلة إذا كانت تصل دومًا بعد الولادة؟
🎯 الكذبة لا تصمد حتى في إطار الرواية.
---
### 🔻 ثالثًا: صمت فرعون = ضعف رمزي
في كل مواضع سفر الخروج الأخرى، نرى فرعون:
* يتحدى موسى.
* يقاوم الضربات الإلهية.
* يُصدر أوامر قاسية.
أما هنا:
* يُخدع بسهولة.
* لا يسأل أسئلة إضافية.
* ولا يُعاقب، ولا يرد.
وهذا يُنتج صورة متناقضة:
**ملك يُرهب الملايين… لكنه يُخدع من امرأتين بكلمة؟**
---
### 🔻 رابعًا: القصة ربما كانت "مستقلة" وأُدرجت لاحقًا
بعض النقاد والباحثين يفترضون أن:
* هذه القصة كانت **حكاية شعبية مستقلة** عن نساء خائفات من الله، قاومن الشر.
* أُدرجت لاحقًا في النص التوراتي، لكنها **لم تُدمج بسلاسة** في البناء السردي لسفر الخروج.
وهذا يفسر:
* عدم تكرار ذكر شفرة وفوعة لاحقًا.
* أسلوب الحكاية المبسط وسط سرد سياسي أكثر تعقيدًا.
---
### ✍️ خلاصة:
> يُظهر النص أن قابلتين عبريتين خدعتا ملك مصر بكذبة لا تصمد منطقيًا.
> لا نجد هنا جبروت فرعون، بل نراه **منهارًا أمام كذبة "يلدن قبل أن نصل".**
> فهل هذه قصة رمزية عن الإيمان؟ أم نقطة ضعف سردي؟
> وهل قُدمت للوعظ الأخلاقي على حساب منطق التاريخ؟
> في كل الأحوال، هذه الفقرة تكشف عن هشاشة البناء الدرامي في مطلع سفر الخروج، وتدفعنا لقراءة أكثر وعيًا وفحصًا لما وراء النص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم