الجمعة، 4 يوليو 2025

من كرم الضيافة إلى قسوة العبودية: مدخل نقدي إلى سفر الخروج

 



 من كرم الضيافة إلى قسوة العبودية: مدخل نقدي إلى سفر الخروج


**"ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف"**

هكذا يبدأ سفر الخروج (خروج 1:8)، بجملة صادمة تقلب المشهد تمامًا، وتدخلنا إلى أجواء القهر والاضطهاد التي ستستمر أربعين إصحاحًا. لكن هذه الجملة القصيرة تخفي وراءها **تحولًا دراميًا حادًا**، بل ومتناقضًا مع ما ورد في سفر التكوين من كرم مصر وسخائها تجاه إبراهيم ويوسف ويعقوب.


### 🔹 مصر في سفر التكوين: أرض الأنبياء والمكافأة


قبل أن يُولد موسى، كانت مصر في النص التوراتي أرضًا مباركة تحتضن أنبياء بني إسرائيل وتكرمهم:


* **إبراهيم** نزل إلى مصر بسبب الجوع، فاستقبله فرعون وأغدق عليه الهبات.

* **يوسف** صار نائب فرعون وأنقذ مصر من المجاعة، وتزوّج من كريمة بيت كهنوت مصري.

* **يعقوب (إسرائيل)** استُقبل مع أبنائه في أرض جاسان، وبارك فرعون بنفسه.


كل هذا يرسّخ صورة **مصر الصديقة، الواعية، الكريمة**.


### 🔻 ثم... بداية الخروج


بمجرد أن نفتح سفر الخروج، نجد هذه العبارة:


> **"ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف."**


تبدو الجملة بريئة في ظاهرها، لكنها تؤسس لانقلاب شامل:


* استعباد بني إسرائيل.

* قتل أطفالهم الذكور.

* اضطهادهم بطريقة ممنهجة.


### ❓فما الذي حدث؟ أين اختفى المعروف؟ أين ذهب إرث يوسف؟ هل نُسي بهذه السرعة؟


### 🔎 الاحتمالات والتفسيرات


* ربما تغيّرت **الأسرة الحاكمة**، وجاء ملوك لا علاقة لهم بيوسف.

* أو أن "لم يعرف" تعني **"لم يعترف" بجميله**، وهو أسلوب توراتي مألوف للتعبير عن الجحود.

* أو أن هناك **فاصلًا زمنيًا طويلًا** بين نهاية التكوين وبداية الخروج لم يوضحه النص.


لكن الأهم أن هذا التحول لا يُقدم كتطور تدريجي، بل كـ **انقطاع مفاجئ**، أشبه بإعادة كتابة للماضي السياسي والاجتماعي لتبرير الخروج والنبوة.


### 🧭 التوراة vs. القرآن


* **القرآن** لا يتحدث عن علاقة ودية سابقة بين بني إسرائيل ومصر.

* لذلك حين يظهر فرعون موسى كطاغية، **لا يكون هناك تناقض سردي**.

* في حين أن **التوراة تواجه مأزقًا أدبيًا**: كيف تتحول مصر الحليفة إلى مصر العدوة فجأة؟


--

لضيق من التكاثر: من القلق إلى القمع

تُكمل الرواية في الآية التالية:

"ولكن بحسبما أذلوهم، هكذا نموا وامتدوا. فاختشوا من بني إسرائيل."
(خروج 1:12)

الجملة هنا تُظهر مفارقة عنيفة:

  • فكلما زاد المصريون في إذلال بني إسرائيل، ازداد هؤلاء في النمو والتكاثر والامتداد.

  • لكن بدلًا من أن يُثير ذلك الإعجاب، أثار الخوف والنفور.

كلمة "اختشوا" لا تعني هنا الخجل، بل تُترجم في الأصل العبري إلى "ضاقوا بهم، اشمأزوا، استشعروا التهديد".

هذه الآية تمثل أول تحول نفسي واضح:

من مجرد استعلاء سلطوي… إلى خوف وجودي.

لقد صار العبرانيون "كثيرين"… ووجودهم يُقرأ الآن كـ خطر محتمل، لا كذكريات إحسان يوسف.

وهكذا تبدأ آلية القمع الجماعي:

  • عمل بالسخرة.

  • استعباد اقتصادي.

  • وأخيرًا: سياسة قتل المواليد الذكور.



الخلاصه

> سفر الخروج لا يبدأ بعبودية بني إسرائيل، بل يبدأ بجحود ملكٍ تجاه رجلٍ أنقذ أمةً من المجاعة.

> هذا الملك الذي "لم يعرف يوسف" هو بداية القطيعة، وبداية السرد اللاهوتي للاضطهاد والخلاص.

> وهنا تكمن المفارقة: **حين يُنسى المعروف، تبدأ الحاجة إلى نبي.**



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم