من كرم الضيافة إلى قسوة العبودية: مدخل نقدي إلى سفر الخروج
**"ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف"**
هكذا يبدأ سفر الخروج (خروج 1:8)، بجملة صادمة تقلب المشهد تمامًا، وتدخلنا إلى أجواء القهر والاضطهاد التي ستستمر أربعين إصحاحًا. لكن هذه الجملة القصيرة تخفي وراءها **تحولًا دراميًا حادًا**، بل ومتناقضًا مع ما ورد في سفر التكوين من كرم مصر وسخائها تجاه إبراهيم ويوسف ويعقوب.
### 🔹 مصر في سفر التكوين: أرض الأنبياء والمكافأة
قبل أن يُولد موسى، كانت مصر في النص التوراتي أرضًا مباركة تحتضن أنبياء بني إسرائيل وتكرمهم:
* **إبراهيم** نزل إلى مصر بسبب الجوع، فاستقبله فرعون وأغدق عليه الهبات.
* **يوسف** صار نائب فرعون وأنقذ مصر من المجاعة، وتزوّج من كريمة بيت كهنوت مصري.
* **يعقوب (إسرائيل)** استُقبل مع أبنائه في أرض جاسان، وبارك فرعون بنفسه.
كل هذا يرسّخ صورة **مصر الصديقة، الواعية، الكريمة**.
### 🔻 ثم... بداية الخروج
بمجرد أن نفتح سفر الخروج، نجد هذه العبارة:
> **"ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف."**
تبدو الجملة بريئة في ظاهرها، لكنها تؤسس لانقلاب شامل:
* استعباد بني إسرائيل.
* قتل أطفالهم الذكور.
* اضطهادهم بطريقة ممنهجة.
### ❓فما الذي حدث؟ أين اختفى المعروف؟ أين ذهب إرث يوسف؟ هل نُسي بهذه السرعة؟
### 🔎 الاحتمالات والتفسيرات
* ربما تغيّرت **الأسرة الحاكمة**، وجاء ملوك لا علاقة لهم بيوسف.
* أو أن "لم يعرف" تعني **"لم يعترف" بجميله**، وهو أسلوب توراتي مألوف للتعبير عن الجحود.
* أو أن هناك **فاصلًا زمنيًا طويلًا** بين نهاية التكوين وبداية الخروج لم يوضحه النص.
لكن الأهم أن هذا التحول لا يُقدم كتطور تدريجي، بل كـ **انقطاع مفاجئ**، أشبه بإعادة كتابة للماضي السياسي والاجتماعي لتبرير الخروج والنبوة.
### 🧭 التوراة vs. القرآن
* **القرآن** لا يتحدث عن علاقة ودية سابقة بين بني إسرائيل ومصر.
* لذلك حين يظهر فرعون موسى كطاغية، **لا يكون هناك تناقض سردي**.
* في حين أن **التوراة تواجه مأزقًا أدبيًا**: كيف تتحول مصر الحليفة إلى مصر العدوة فجأة؟
--
الخلاصه
> سفر الخروج لا يبدأ بعبودية بني إسرائيل، بل يبدأ بجحود ملكٍ تجاه رجلٍ أنقذ أمةً من المجاعة.
> هذا الملك الذي "لم يعرف يوسف" هو بداية القطيعة، وبداية السرد اللاهوتي للاضطهاد والخلاص.
> وهنا تكمن المفارقة: **حين يُنسى المعروف، تبدأ الحاجة إلى نبي.**
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بكم