اعجبني بشده موضوع الكُتاب من خلال قصة حياة الاستاذ احمد امين كصوره من الماضي تحتل مكانا بارزا في حياة رموز مصر
مثل طه حسين واحمد امين واحمد لطفي السيد وقد حرص كل منهم علي ذكر الكُتاب في قصة حياته...وقد كان هذا الموضوع
ونبدأ بالاستاذ احمد امين
من خلال متابعتي للكتاب دخل الاستاذ الكتاب فن سن 5 سنوات حتي التاسعه أو العاشره يعني من عام 1891 حتي 1896
ويقول
قد كان قي ذلك العصر كتاتيب ومدارس ابتدائيه وثانويه قليله راقيه بعض الرقي ولكن هذه الكتاتيب الراقيه كانت بعيده عن بيتي فاختار لي أبي أقرب كتاب يكاد يكون علي باب حارتي هو حجره متصله بالمسجد -مسجد الرماح - وبجانبها دورة مياهه واثاث هذه الحجره حصير كبير بال قد انسلت منه بعض عيدانه .وزير فيه ماء يكاد يسود من الوسخ. عليه غطاء من الخشب ،قد ثبت في الغطاء حبل طويل ربط فيه كوز ليستقي منه الشارب ويتناول الكوز ليشرب منه النظيف والقذر والمريض والصحيح وصندوق صغير من صناديق الجاز وضعت فيه ألواح ،بعضها صفيح قد صديء وبعضها خشب قد زال طلاؤه، كتب عليها بعض ايات القران بالحبر الأسود فلا تكاد تري، وشيخ قد لبس العمامه وقباء من غير جبه وبيده عصا طويله
ومسمار كبير في الحائط علقت فيه الفلقه وهي عصا غليظه تزيد قليلا عن المتر ثقب فيها ثقبان ثبت فيهما حبل فاذا أراد سيدنا ضرب ولد أدخلت رجلاه في هذا الحبل ولويت عليهما الخشبه فلا تستطيع القدمان حركه ، ونزل عليهماسيدنا بالعصا ، ثم عود طويل من الجريد يستطيع سيدنا ان يضرب به اقصي ولد في الحجره، وهذا كل اثاث الكتاب نذهب اليه صباحا ونجلس علي هذا الحصير متربعين متلاصقين ،ويأخذكل منالوحه من الصندوق ، وكان لوحي جديدا،اذ كنت مبتدئأ وكان لسيدنا عريف يساعده في كتابة الالواح للاطفال ويقوممقامه اذا غاب كما يساعده في مد رجل الطفل في الفلقه عند الحاجه، ويقرأكل تلميذ في لوحه حسب تعلمه ،هذا يقرأ ألف بأء وهذا يقرأ سورة الفاتحه وهذا....فاذا فرغنا من فراءة الدرس الجديد استمع لنا الماضي وهو ما حفظناه من القران في الدروس فاذا جاء وقت الغذاء أخذ سيدنا من كل ولد قرشا أو نصف قرش أو مليما حسب مقدرته،وبعث سيدنا العريف فأحضر له ماجورين أخضرين في أحداهما فول نابت ومرقة وفي الاخر مخلل ومرقة ،والتف التلاميذ حولهما بعد أن أحضروا خبزهم الذي جاءوا به من بيوتهم، وأخذت أيديهم تغوص باللقمه في مرقة الفول أحيانا وفي مرقة المخلل أحيانا، ولا بأس أن يكون في الاولاد مريض وصحيح وقذر ونظيف وملوث وغير ملوث فعلي الله الاتكال والبركه تمنع من العدوي،واذا قرأنا وجب أن نهتز وأن نصيح ،فمن لم يهتز أو لم يصح لم يشعر الا والعصا تنزل عليه فيصرخ ويصيح بالقراءه والبكاء معا،
ونبقي علي هذه الحال الي قرب العصر فنخرج الي بيوتنا ،ومن حين لاخر يمر أبو الطفل علي سيدنا فيسأله عن ابنه ويطلب منه ان-ينفض له الفروه- وهذا اصطلاح بين الاباء وفقهاء الكتاب أن يشتدوا علي الطفل ويضربوه
فلا تعجب بعد ذلك اذا وجدت ارواحا ميته ونفوسا كسيره، ومن اجل هذا كان أكره شيء علينا الكتاب واسم الكتاب وسيدنا، بل أذكر مره أني كنت في البيت اكل مع أمي واخوتي، فما أشعر الا وقد انتفضت من غير وعي ، لتوهمي أن عصا سيدنا نزلت علي لاني لم أهتز ،وكان أكره ماأكره يوم السبت صباحا عند الذهاب الي الكتاب وأحب ما أحب يوم الخميس ظهرا لأنه سيلحقه يوم الجمعه وفيه لا كتاب
وختمت في هذا الكتاب ألف باء علي طريقه عقيمه جدا فأول درس كان ألف-ألف لام فاء- وهو درس حفظته ولم أفهمه الا وأنا في سن العشرين، اذ كان معني ذلك أن كلمة الألف مركبه من ألف ولام وفاء ،من أجل ذلك كرهت الكتاب وهذا التعليم وسيدنا، وتنقلت في أربعة كتاتيب كلها علي هذه الصوره لا تختلف الا في ان الحجره واسعه أو ضيقه ، وان سيدنا لين أو شديد، وأنه أعمي العينين أو مفتوح العينين، اما اسلوب التعليم فواحد، وذهبت الي الكتاب الثاني وكان سيدنا فيه رجلا غريب الاطوار
يعقل حينا ويجن حينا ويشتد ويلين، ويضحك ويبكي واذا سار في الشارع جري فضحك من جريه الصغار ، لا أذكر ماذا فعلت فنادي ولدين قويين وأدخلا رجلي في الفلقه وأمسك بعصا من جريد وأخذ يهوي بها علي قدمي بكل قوته حتي شق قدمي شقا طويلا وتفجر الدم منهما، ثم أسلمني لهذين الولدين يحملانني الي بيتي، وكان هذا اخر العهد بهذا الكتاب
علي كل حال لبثت في هذه الكتاتيب الاربعه نحو خمس سنوات حفظت فيها القران وتعلمت القراءه والكتابه.
نستكمل الموضوع واليوم نعرض ما قاله الاستاذ احمد لطفي السيد في كتابه قصة حياتي
الاستاذ احمد سيعود بنا للوراء قليلا حيث انه من مواليد 15 يناير 1872
وبطلنا هذه المره ابن باشا وابن عمده يعني الحاله الاقتصاديه مختلفه عن الاستاذ احمد امين الذي هربت اسرته من الضرائب وهو صغير
فيقول...لما بلغت الرابعه من عمري أدخلني ابي كتاب القريه وكانت صاحبته سيده تدعي الشيخه فاطمه-لاحظ الجديد هنا ان سيدنا مش موجود- فمكثت فيه ست سنوات تعلمت فيها القراءه والكتابه وحفظت القران كله وكنت اجلس مع زملائي علي الحصير ونصنع الحبر بأيدينا والي هذه السيده يرجع فضل تنشئتي الاولي في تلك السنين
بس كده دي ذكريات الاستاذ احمد عن الكتاب لا ضرب ولا تغيير للكتاب ولا سيدنا ...ولا نابت ولا غيره..ابن باشا بقي
نواصل اليوم الحديث عن الكتاب
واشهر من تحدث عن الكتاب وهو عميد الادب العربي د طه حسين المولود 1889
ويمكن صورة الكتاب كانت واضحه من خلال ارتباطنا بمشاهدة المسلسل علي الشاشه الصغيره...
لا يعلم طه متي حفظ القران ..ويتذكر انه كان يذهب للكتاب محمولا من احد أخوته لبعد الكتاب وضعف جسده..لكنه يتذكر نفسه جالسا وسط مجموعه مرقعه من النعال -يلعب بها احيانا-اما سيدنا فكان يجلس علي دكه علي يمين الداخل للكتاب وكان رجل ضخم الجثه يكاد يري بعينيه -اقرب للعمي منه للابصار-فكان يعتمد في ذهابه الي الكتاب والمنزل في الصباح والمساء علي اثنين من تلاميذه ويبسط زراعيه علي كتف كل واحد منهم وكان يختار انجب الاطفال واحسنهم صوتا لانه كان يحب الغناء في الطريق ويحب ان يعلمه لطلابه وخلال الطريق كان يغني بصوته وجميع جسده ايضا..!!
اتم طه حفظ القران قبل ان يتم التاسعه..ويتذكر طه جيدا تلك الايام لان قبلها بايام كان سيدنا يطلب حقوق اضافيه غير الطعام والمشرب والملبس والمال .. ذلك ان ختم القران له حقوق اخري اولها عشوه دسمه ثم جبه وقفطان وزوج من الاحذيه وطربوش مغربي
وطاقيه وجنيه أحمر..منذ هذا اليوم اصبح طه يلقب بالشيخ طه رغم انه تحت التاسعه
ولكن كانت العاده كذلك ........نسي طه القران مره بعد مره وكان له مع اباه وسيده قصص اخري...