الأحد، 19 يناير 2025

كتاب في فقه الأولويات د يوسف القرضاوي




 في فقه اللاولويات

د يوسف القرضاوي

يقول

لا يقف الاخلال بالاولويات اليوم عند جماهير المسلمين بل الاخلال واقع بين المتدينين لفقدان الفقه الرشيد والعلم الصحيح الذي يبين راجح الاعمال من مرجوحها وفاضلها من مفضولها وصحيحها من فاسدها وكثيرا ما راينا مثل هؤلاء يشتغلون بمرجوح العمل ويدعون راجحه وينهمكون في المفضول ويغفلون الفاضل

وقد يكون العمل الواحد فاضلا في وقت مفضولا في وقت اخر راجحا في حال مرجوحا في اخر ولكنهم لقلة علمهم لا يفرقون بين الوقتين

رايت من المسلمين الطيبين في انفسهم من يتبرع ببناء مسجد في بلد حافل بالمساجد قد يتكلف مليون او اكثر فأذا طالبته ببذل مثل هذا المبلغ اونصفه في نشر دعوة الاسلام او مقاومة الكفر او اقامة الشرع فهيهات ان تجد اذانا صاغيه لانهم يؤمنون ببناء الاحجار لا ببناء الرجال

وفي موسم الحج من كل عام اري اعدادا غفيره من المسلمين الموسرين يحرصون علي شهود الموسم متطوعين وكثيرا ما يضيفون اليه العمره في رمضان ينفقون في ذلك بسخاء وقد يصطحبون معهم اناسا من الفقراء علي نفقتهم وما كلف الله بالحج ولا العمره هؤلاء

فاذا طالبتهم ببذل هذه النفقات السنويه ذاتها لمحاربة اليهود في فلسطين او الصرب في البوسنه اومقاومة الغزو التنصيري في اندونسيا وبنجلاديش او انشاء مركز للدعوه اوتجهيز دعاه متخصصين متفرغين او تاليف او ترجمة ونشر كتب اسلاميه نافعه لووا رؤسهم هذا مع ان الثابت بوضوح في القران ان جنس اعمال الجهاد افضل من جنس اعمال الحج قال تعالي ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام * كمن آمن بالله واليوم الآخر
* وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله * والله لا يهدي القوم الظالمين ) .

ان الواجبات المطلوبه فورا مقدمه علي الواجبات التي تحتمل التاخير وفريضة الحج تحتمل التاخير


ومما وقع فيه المسلمون في عصور الانحطاط ولا زال قائما الي اليوم
1 انهم اهملوا التفوق العلمي والصناعي والحربي والاجتهاد في الفقه واستنباط الاحكام ونشر الدعوه واقامة الشوري ومقاومة السلطان الجائر

2 اهملوا بعض الفرائض العينيه او اعطوها دون قيمتها مثل فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قدمها القران علي الصلاة والزكاه في وصف مجتمع الايمان ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ( 71 ) ) يتبع




واهتموا ببعض الاركان اكثر من بعض فاهتموا بالصوم اكثر من الصلاه

4 واهتموا ببعض النوافل اكثر من اهتمامهم بالفرائض والواجبات كما هو ملاحظ عند كثير من المتدينين الذين اكثروا من الاذكار والتسابيح والاوراد ولم يولوا هذا الاهتمام لكثير من الفرائض وخصوصا الاجتماعيه مثل بر الوالدين وصلة الارحام والاحسان للجار ورعاية اليتامي وانكار المنكر ومقاومة الظلم الاجتماعي والسياسي

5 واهتموا بالعبادات الفرديه كالصلاه والذكر اكثر من اهتمامهم بالعبادات الاجتماعيه كالجهاد والفقه والاصلاح بين الناس .....

6 ومما وقع فيه الخلل اشتغال الناس بمحاربة المكروهات او الشبهات اكثر مما اشتغلوا بحرب المحرمات او الواجبات المضيعه
مثل الانشغال بما اختلف في حله وحرمته عما هو مقطوع بتحريمه مثل مسائل التصوير والغناء والنقاب ...وكأنما لاهم لهم الا ادارة المعارك حولها ومحاولة سوق الناس قسرا الي رايهم فيها




يتابع الدكتور القرضاوي فيقول

حتي الاقليات والجاليات التي تعيش في الغرب وجدت من جعلوا اكبر همهم الساعه اين تلبس أفي اليمين ام اليسري ولبس الثوب بدل القميص والبنطلون واجب ام سنه؟ ودخول المرأه المسجد حلال ام حرام؟ والاكل علي المنضده واستخدام الملعقه والشوكه هل هو تشبه بالكفار؟....

اهم ما يقوم عليه فقه الموازنات
1 الموازنه بين المصالح او المنافع بعضها وبعض
2 الموازنه بين المفاسد او المضار بعضها وبعض
3 الموازنه بين المصالح والمفاسد اذا حدث تعارض

اولا الموازنه بين المصالح....

المصالح انواع هي
1 الضروريات وهي ما لا حياة بغيرها
2 الحاجيات ممكن الحياه بدونها ولكن مع مشقه وتعب
3 التحسينات او الكماليات وهو ما يزين الحياه و يجملها
وفقه الموازنات يقدم الضروريات علي الحاجيات والكماليات

ونجد ان حتي الضروريات متفاوته فهي خمس الدين والنفس والنسل والعقل والمال وقد يزيد العرض..والدين مقدم علي كل الضروريات

- تقدم المصلحه الكبيره علي الصغيره
- تقدم مصلحة الجماعه علي الفرد
-تتقدم المصلحه الدائمه علي العارضه
- تقدم المصلحه المستقبليه القويه علي المصلحه الانيه الضعيفه
نجد الرسول قد رضي في صلح الحديبيه بحذف البسمله وبحذف وصف الرساله الملاصق لاسمه من محمد رسول الله واكتفي ب محمد بن عبد الله ليكسب من وراء الصلح هدنه ينشر فيها الدعوه

ثانيا الموازنه بين المضار
_لا ضرر ولا ضرار
-الضرر يزال بقدر الامكان
-الضرر لا يزال بضرر مثله او اكبر منه
-يرتكب اخف الضررين
- يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام
ثالثا الموازنه بين المصالح والمفاسد عند التعارض

اذا اجتمع في امر مصلحه ومفسده اذا كانت المفسده اكبر من المنفعه وجب منعه كما في الخمر والميسر والعكس اذا كانت المنفعه اكبر تهدر المفسده ويجاز
- المفسده الصغيره تغتفر من اجل المصلحه الكبيره
تغتفر المفسده العارضه من اجل المصلحه الدائمه
- لا تترك مصلحه محققه من اجل مفسده متوهمه


والمصالح 3 انواع مصالح المباحات ومصالح المندوبات ومصالح الواجبات

والمفاسد نوعان المكروهات والمحرمات

ومن حسن الفقه ان ندرك مقصود الشرع من التكليف حتي لا نشدد علي انفسنا

ومن هنا لا اري مبررا للتشديد في ضرورة اخراج صدقة الفطر من الاطعمه فليست هي المقصوده انما المقصود اغناء الفقير

ولا التشدد في رمي الجمار في الحج قبل الزوال لان المقصود العباده



يصل الشيخ الي جزء من اهم اجزاء الكتاب وهو التفريق بين القطعي والظني

ان ماثبت بالاجتهاد غير ما ثبت بالنص وان ما ثبت بالنص وايد بالاجماع المتيقن غير ما تبت بالنص واختلف فيه

انواع النصوص
-نص ظني الثبوت ظني الدلاله
-نص ظني الثبوت قطعي الدلاله
-نص قطعي الثبوت ظني الدلاله
-نص قطعي الثبوت قطعي الدلاله
وظنية الثبوت تختص بالسنه غير المتواتره مثل احاديث الاحاد <المقصود بالمتواتر ما رواه جمع عن جمع من اول السند الي منتاه فيستحيل عادة تواطؤهم علي الكذب>
ومن العلماء من قال ان التواتر في السنه عزيز ولا يكاد يوجد

وظنية الدلاله تشمل السنه والقران فمعظم النصوص فيها تحتمل تعدد الافهام والتفسيرات لان الفاظ اللغه فيها الحقيقه والمجاز والكنايه والخاص والعام والمطلق والمقيد...
وكثيرا ما تخضع الافهام لعقول الناس وظروفهم واتجاهاتهم النفسيه والعقليه فالمشدد يفهم من النص غير ما يفهمه الميسر ولذا عرف تراثنا تشدد ابن عمر ورخص ابن عباس....وذو الافق الواسع يفهم منه غير ما يفهمه ذو الافق الضيق وهناك من يفهم ويتمسك بفحوي النص وروحه ومن يتمسك بالفهم الظاهري الحرفي

والقران كله قطعي الثبوت ولكن اكثر اياته ظنية الدلاله..ولكن القضايا الكبري مثل الالوهيه والنبوه والجزاء واصول العبادات وامهات الاخلاق والميراث والحدود تجمع الكل علي كلمه سواءومن الممكن انكار الظني الثبوتولا يجوز رد النصوص القطعية الثبوت والدلاله

وذلك مثل الذين يدعون الي وجوب تغطية الوجه ولبس النقاب وهم يخالفون في ذلك راي جمهور الائمه ويخالفون الادله الواضحه من الكتاب والسنه

اولويات الفتوي
1- تقديم التخفيف والتيسير علي التشديد والتعسير
2- العتراف بالضروريات الطارئه سواء كانت حاله خاصه او عامه كما جاء في السنه بعد تحريم لبس الحرير علي الرجال ان عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا الي النبي <ص>من حكه بهما فأذن لهما تقديرا لهذه الحاجه
3- تغير الفتوي بتغير الزمان والمكان نزولا علي فساد الزمان او تطور المجتمع
4- مراعاة سنة التدرج قال عمر بن عبد العزيز ان الله ذم الخمر في القران مرتين وحرمها في الثالثه واني اخاف ان احمل الحق علي الناس جمله فيدعوه جمله وتكون فتنه

وعلم الفقه في حاجه الي ان ييسر للناس وان يعرض عرضا جديدا ويهتم فيه بما يهم الناس في هذا العصر من شركات ومعاملات واعمال بنوك وعقود مستحدثه وعلاقات دوليه ان يترجم المعايير القديمه من نقود ومكاييل واوزان واطوال الي لغة العصروالعنايه بالثقافه والبعد عن الكلام غير المفيد مثل الحقيقه المحمديه او ان النبي هو اول خلق الله او الكلام عن الكرامات...

معيار لا يخطيء ....الاهتمام بما اهتم به القران
فما اهتم به القران كل الاهتمام وكرره في اياته يجب ان تكون له الاولويه والتقديم والعنايه
وما اهتم به القران اهتماما قليلا نعطيه ذلك القدر من الاهتمام ولا نبالغ مثل الاسراء بالنبي الذي اعطاه القران ايه واحده اما مولد النبي فلم يعره القران التفاتا فدل علي انه امر غير مهم


.........................................................................................................